خصائص العرفان الإسلامي ومراحله ومصادره
الشيخ عبد الله الدقاق
خصائص العرفان الإسلامي
وجدت حركات عرفانية على امتداد المذاهب والأديان البشرية فالبوذية والهندوسية والزرادشتية كانت لها طقوس رهبانية وعرفانية ولكن تميز العرفان الإسلامي بمجموعة من الخصائص والعناوين التي تميزه عن غيره من الحركات العرفانية غير الإسلامية ونشير إلى أبرز هذه الخصائص وهي أربع:
–الخصيصة الأولى محورية الله تبارك وتعالى
فالعرفان الإسلامي يدور حول وجود الله تبارك وتعالى فالعرفان النظري يدور حول وجود الله والإيمان به وفهم كافة الوجود من خلال فهم وجود الله “عز وجل” والعرفان العملي يتناول العمل والحركة والسير والسلوك نحو الله تبارك وتعالى فالعرفان بكلى قسميه النظري والعملي غير صحيح ومرفوض إذا حذفنا وجود الحق تبارك وتعالى منه.
-الخصيصة الثانية الولاية
السالك إلى الله تبارك وتعالى يعد وليا من أولياء الله “عز وجل” فالسالك إلى الله يعد من أصحاب الولاية في العرفان الإسلامي وهذا يعني ضرورة معرفة الإنسان الكامل والإنسان المعصوم وحب الإنسان الكامل والإنسان المعصوم وضرورة الالتزام العملي بسيرة أولياء الله تبارك وتعالى.
-الخصيصة الثالثة العمل بالشريعة
فمن مميزات العرفان الإسلامي أنه يمشي وفقا للشريعة الغراء أي طبقا للأحكام الشرعية الفقهية والأحكام التفريعية فالشريعة تشكل المحور الأساس الذي يستقي منه العرفاء مادتهم العرفانية وبالشريعة يعرف العرفاء مدى أصابتهم للحقيقة ومدى انحرافهم عن جادة الصواب والخطأ فيها فالعرفان من دون الشريعة ضلال فقد عن أمير المؤمنين “عليه أفضل صلوات المصلين” في الخطبة الثانية عشر من نهج البلاغة أنه قال ألا وإن شرائع الدين واحدة وسبله قاصدة فمن أخذ بها لحق وغنم ومن وقف عنها ضل وندم.
-الخصيصة الرابعة العقلانية
فالعرفان لا يلغي دور العقل والتعقل فالعارف لا ينكر دور العقل في الإدراك لكنه يرى أنه ليس بكاف إذاً المعرفة الشهودية والعرفانية والسلوكية في طول المعرفة العقلية أي فرع المعرفة العقلية فالسالك إلى الله يحتاج إلى التعقل وإعمال العقل لكنه لا يكتفي بذلك بل بعد الممارسة العقلية يحتاج إلى الممارسة الروحية والرياضية النفسية لكي يصل إلى الحقائق فالعارف يستعين بالعقل قبل السير والسلوك وبعد السير والسلوك إلى الله تبارك وتعالى إذ أنه بعد السير والسلوك يحتاج لإثبات الحقائق والكشفيات التي توصل إليها وأراد أن يثبتها إلى الآخرين يحتاج إلى العقل فإقناع الآخرين يحتاج إلى وسيلة مقبولة وهي العقل والبرهان العقلي، هذه خصائص أربعة للعرفان الإسلامي محورية الله “عز وجل” والولاية والشريعة والعقلانية وهناك خصائص أخر لكننا نقتصر على هذه الخصائص الأربعة الهامة.
بداية العرفان الإسلامي
ونتناول في هذه النقطة المراحل التي مر بها العرفان الإسلامي ففي بداية القرن الأول الهجري لم يكن مصطلح العرفان متداولا بل كان في بداية نزول الوحي هناك ممارسات روحية أعقبتها ظهور الحركة الصوفية ففي بداية نزول الوحي نجد الكثير من حالات الزهد والتمسك والتهجد والتعبد وقد عرف أشخاص أطلق عليهم الزهاد والعباد والنساك وهؤلاء قد شكلوا نواة المتصوفة في العالم الإسلامي ولم يعرفوا باسم الصوفية في البداية وإنما عرفوا باسم الزهاد والنساك وكان اعتقاد هؤلاء صافيا وإيمانيهم نقيا خالصا ولم تدخلهم الأفكار الفلسفية والكلامية والمصطلحات المعقدة وكان غرضهم الاستجابة لنداء الوحي وأن يكونوا من عباد الله الصالحين المخلصين ثم هذه الممارسة التعبدية اتسعت وأصبحت حركة أطلق عليها الحركة الصوفية وانتشرت وأصبحت تجمع شيئا فشيئا العدد الكبير من الأشخاص الذين شكلوا مدرسة فكرية وعلمية خاصة وكانت لأفكارهم وسلوكياتهم ومظاهرهم التي تمييزهم عن غيرهم مدرسة فكرية خاصة،
إذاً الخلاصة بدأ العرفان كممارسة ثم انتقل إلى حركة وظاهرة ثم انتقل إلى مدرسة فكرية علمية فهذه مراحل ثلاث المرحلة الأولى تشير إلى الممارسة والمرحلة الثانية تشير إلى الحركة والظاهرة والمرحلة الثالثة والأخيرة تشير إلى مدرسة فكرية وعلمية.
مراحل ثلاث للعرفان الاسلامي
وإذا أردنا أن ندرس الموضوع بتعمق أكثر يمكن أن نذكر ثلاث مراحل مر بها العرفان الإسلامي:
المرحلة الأولى: ظهور وتكامل العرفان العملي وذلك من القرن الأول الهجري إلى القرن السادس الهجري.
المرحلة الثانية :تدوين وشرح العرفان النظري من القرن السابع الهجري إلى القرن العاشر الهجري.
المرحلة الثالثة والأخيرة وفول المتصوفة والعرفاء من الناحية النظرية والعملية والتوجه نحو العرفان العملي المبني على أساس الفكر الشيعي وذلك من القرن الحادي عشر إلى يومنا هذا، الآن نشير إلى هذه المراحل الثلاث مع التفصيل.
المرحلة الأولى:
مرحلة ظهور وتكامل العرفان العملي، تبدأ المرحلة من القرن الأول الهجري إلى القرن السادس هجري وتمتاز بخصائص ست:
الخصيصة الأولى رواج وشيوع حالات التصوف بين الأفراد ففي القرن الأول والثاني نجد حالات متفرقة لأفراد لديهم نسك خاص عرفهم بالزهاد.
الخصيصة الثانية بداية ظهور العرفان العملي من خلال ميل بعض المؤمنين نحو الزهد والعبادة كما في القرن الأول الهجري.
الخصيصة الثالثة ظهور بعض المفاهيم التي راجت على السنة المتصوفة كالعشق والحب الإلهيين والتوجه نحو باطن الشريعة كما في القرن الثاني الهجري.
الخصيصة الرابعة الشروع بالاهتمام بالعرفان النظري القرن الثالث الهجري.
الخصيصة الخامسة تكامل العرفان العملي وتدوين أصول السير والسلوك والبدء بالحديث عن دور الشريعة في الوصول إلى الحقيقة القرن الرابع الهجري.
الخصيصة السادسة والأخيرة وصول العرفان إلى أعلى مراتبه وإقبال الناس عليه وظهور مشايخ العرفاء وامتزاج أبحاثهم بالأفكار الكلامية والفلسفية القرنين الخامس والسادس.
من ابرز الشخصيات في هذه المرحلة ما يلي:
الحسن البصري كان أيام المنصور الدوانيقي، إبراهيم الأدهم، رابعة العدوية، أبو هاشم الصوفي، بايزيد البسطامي، بشر الحافي، السر السقفي، طبعا بعضهم سنة وبعضهم شيعة وأكثر هؤلاء من السنة، الحسين بن منصور الحلاج، أبو سعيد أبو الخير، الهجيري، الخواجه عبد الله الأنصاري، وأبرزهم من ناحية تقنين وكتابة أصول العرفان العملي هو الخواجه عبد الله الأنصاري الذي كتب كتاب منازل السائرين.
هذه الشخصيات وغيرها إذا أردنا التعرف عليها ولو بشكل موجز وسريع يمكن مراجعة كتاب العرفان بالشهيد مرتضى مطهري الدرس الرابع والدرس الخامس والدرس السادس تحت عنوان نبذة تاريخية واحد اثنين ثلاثة من صفحة 77 إلى صفحة 99 الشهيد مطهري ترجم لهؤلاء بأجمعهم نبدأ بعرفاء القرن الثاني إلى آخره.
أول واحد يبدأ به الحسن البصري، الثاني مالك بن دينار، الثالث إبراهيم بن الأدهم، الرابع رابعة العدوية، الخامس أبو هاشم الصوفي الكوفي، السادس شقيق البلخي السابع معروف الكرخي، الثامن الفضيل بن عيان طبعا هؤلاء بعضهم من تلامذة الإمام الرضا “صلوات الله وسلامه عليه” مثل معروف الكرخي أو ما يقال عنه شقيق الكرخي طبعا كبار أستاذة الصوفية أربعة اثنان منهم من تلامذة الإمام الرضا “صلوات الله وسلامه عليه” مثل معروف الكرخي إن أباه وأمه كانا نصرانيين إلا أنه اسلم على يد الإمام الرضا “صلوات الله وسلامه عليه” وهكذا بالنسبة لبشر الحافي اهتدى على يد الإمام موسى بن جعفر “صلوات الله وسلامه عليه” وهكذا شقيق البلخي صادف الإمام الكاظم في طريقه إلى مكة ونقل عنه بعض المقامات والكرامات ثم صفحة 81 يذكر عرفاء القرن الثالث الأول بايزيد البسطامي بن عيسى، الثاني بشر الحافي الثالث السر السقفي، الرابع الحارث المحاسبي، الخامس جنيد البغدادي السادس ذو النون المصري السابع سهل بن عبد الله التستري الثامن حسين بن منصور الحلاج يترجم له هذا في الدرس الأول نبذة تاريخية رقم واحد الدرس الخامس والسادس نبذة تاريخية اثنين وينطلق من عرفاء القرن الرابع وينتهي بعرفاء القرن التاسع الهجري تفاصيل في كتاب العرفان للشهيد مرتضى مطهري “رضوان الله عليه”، إلى هنا انتهينا من بيان المرحلة الأولى ظهور العرفان العرفاني وتكامله، إذاً أوج تكامله على يد خواجه عبد الله الأنصاري منازل السائرين.
المرحلة الثانية:
تدوين وشرح العرفان النظري وهذا من القرن السابع الهجري إلى القرن العاشر الهجري وبلغ أوج على يد ابن العربي طبعا ابن العربي يوجد ابن عربي عنده تفسير ويوجد ابن عربي صاحب كتاب الفتوحات المكية وصاحب كتاب فصوص الحكم وهذا يعد شيخ العرفاء وهو من أسس للعرفان النظري.
تمتاز المرحلة الثانية بانتشار العرفان وسيطرة العرفان النظري بالأخص مع وجود شخصيات كبيرة أمثال محي الدين بن عربي المتوفى سنة 638 وكتبت شروحات كثيرة على أفكار وكتابات ابن عربي مثلا شرح خصوص الحكم للقيصري خصوص الحكم هو لمحي الدين بن العربي ولكن داود محمود القيصري كتب شرحا لفصوص حكم محي الدين بن عربي وتميزت هذه المرحلة بظهور حركات صوفية شيعية وسنية وفي هذه المرحلة بدأ الجمع بين العرفان والدين وتأتي الجهود التي قام بها الشيخ البهائي المتوفى سنة 1030 هجرية والتي أدت إلى أفول نجم التصوف من أبرز الشخصيات في هذه المرحلة ؟؟؟؟ النظري شهاب الدين السهروردي الزنجاني صاحب كتاب حكمة الإشراق وهو مؤسس الفلسفة الإشراقية التي تؤكد على اشراقات الروح والنفس، محي الدين بن عربي صاحب كتاب الفتوحات المكية وفصوص الحكم، القونوي صاحب كتاب مفتاح الغيب، جلال الدين الرومي الشاعر المعروف، محمود الشبستري السيد حيدر الآملي صاحب كتاب جامع الأسرار، ولديه أيضا كتاب آخر ولديه تفسير تحت عنوان تفسير المحيط الأعظم والبحر الخضم السيد حيدر الآملي هذا تفسير عرفاني، صائن الدين علي بن تركة الأصفهاني صاحب كتاب تمهيد القواعد التمهيد في شرح قواعد التوحيد الفناري هذا أقوى كتاب عرفاني الفناري عنده كتاب اسمه مصباح الأنس في شرح مفتاح الغيب للقونوي يعني جاء الفناري بمصباح أنسه لكي يشرح كتاب الفناري وهو مفتاح الغيب.
المرحلة الثالثة والأخيرة:
بدأ مشايخ الصوفية يفقدون الأبعاد العلمية والثقافية التي كانت تحيط بهم وغرق التصوف في الكثير من البدع والخرافات وفي هذه المرحلة أي ما بعد القرن العاشر الهجري بدأ التخصص في العرفان العملي واتسعت الدراسات التي تناولت ابن عربي، سيد جعفر مرتضى العاملي عنده كتاب اسمه ابن عربي سني متعصب، طبعا بعضهم يرى تشيعه والمعروف أنه سني أقترب العرفان والتصوف من الشرع والفلسفة والكلام وذلك مع وجود شخصيات هامة في العالم الإسلامي من أمثال الملا صدرا محمد بن إبراهيم صدر الدين الشيرازي المتوفى سنة 1050 هجرية صاحب كتاب الأسفار الأربعة صاحب كتاب مفاتيح الغيب صاحب كتاب الشواهد الربوبية صاحب كتاب المبدأ والمعاد له كتب كثيرة.
صدر الدين الشيرازي جاء بالحكمة المتعالية عن طريق مزج أربعة أمور حكمة الإشراق للسهروردي وحكمة المشاء لابن سينا هاتان الحكمتان يمثلان فلسفة عقل والعرفان النظري وعلم الكلام فعلم الكلام يمثل النقل وفلسفة الإشراق وفلسفة المشاء تمثل العقل والعرفان النظري يمثل الكشف والشهود فهو مزج بين العقل والنقل والشهود والكشف القلبي فمن خلال هذه الأربعة فلسفة الإشراق وفلسفة المشاء وعلم الكلام والعرفان النظري أسس مبدأ الحكمة المتعالية.
الخلاصة إذا أردنا نلخص العرفان الإسلامي من بدايته إلى نهايته نذكر ثلاث مفردات بحسب الترتيب:
واحد ممارسة، اثنين ظاهرة وحركة ثلاثة مدرسة علمية وفكرية فبدأ العرفان في القرون الأولى على صورة ممارسات يشكل الزهد والعبادة جوهرها ثم انتقلت الممارسات لكي تشكل حالة وظاهرة وحركة خاصة لها ما يميزها ثم انتقلت الحركة والظاهرة إلى مدرسة علمية وفكرية لها أسسها ومبادئها ونظرياتها.
الشيخ بهجت
أحدى الشخصيات العرفانية في زماننا المعاصر الشيخ محمد تقي بهجت “رضوان الله عليه” ولد الشيخ محمد تقي بهجت عام 1334 هجرية قمرية في عائلة متدينة في مدينة فومن في محافظة كيلان بدأ درسالته الأولى في مدينته ففيها بدأ دراسة العلوم الإسلامية هاجر وعمره 14 سنة إلى كربلاء بدأ الدراسة في كربلاء في عام 1352 غادر كربلاء إلى النجف الأشرف درس على أيدي كبار الأساتذة أمثال مرتضى الطالقاني والميرزا النائيني والشيخ ضياء الدين العراقي والسيد أبو الحسن الأصفهاني الشيخ محمد كاظم الشيرازي ودرس العلوم العقلية عند السيد حسين بادكوبة والعلوم الأخلاقية والعرفانية عند السيد علي القاضي عاد إلى إيران سنة 1364 هجرية قمرية استقر في قم بدأ التتلمذ على أيدي أساتذة كبار مثل السيد البروجردي والسيد محمد الحجة الكوهكمري وبالإضافة إلى حضوره بدأ التدريس في قم فبدأ حلقة البحث الخارج في منزله آية الله الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي درس عنده قرابة 13 سنة في منزله وفي المدرسة الحجية عرف كمرجع تقليد بعد وفاة آية الله العظمى الشيخ محمد علي الاراكي توفي الشيخ بهجت سنة 1430 هجرية قمرية في قم وقد شاركنا في تشيعه وكان اكبر تشييع لمرجع بعد الإمام الخميني “رضوان الله عليه”، عرف بسلوكه العرفاني “رضوان الله عليه” أصبح أستاذا للسالكين والناسكين له كثير من الوصايا العرفانية جمعت مؤخرا في كتاب طبعه مكتبه في قم تحت عنوان الناصح يجمع نصائح الشيخ بهجت “رحمه الله” له حاشية على كتاب ذخيرة العباد لأستاذه الشيخ محمد حسين الأصفهاني الغروي ودورة في الصلاة ودورة في الأصول وسيلة النجاة تعليقة على وسيلة النجاة للسيد أبو الحسن الأصفهاني ثلاث مجلدات في الشعر العرفاني له كتاب طبع مؤخرا حول سيد الشهداء، هذا تمام الكلام في الدرس الثاني.
الدرس الثالث مصادر العرفان الإسلامي
أربع مصادر للعرفان الإسلامي
العرفان الإسلامي له أربع مصادر:
المصدر الأول القرآن الكريم،
المصدر الثاني الحديث الشريف،
المصدر الثالث سيرة الأئمة والمعصومين “عليهم السلام”،
المصدر الرابع الشريعة والفقه الإسلامي،
ثلاث نظريات حول العرفان
وقبل أن نشرع في بيان هذه النظريات الثلاث نطرح السؤال التالي، هل العرفان الإسلامي علم إسلامي أصيل كعلم التفسير والحديث أم أن العرفان الإسلامي علم دخيل على الفكر الإسلامي كعلم الطب والهندسة فقد كان الطب والهندسة موجودان قبل مجيء الإسلام ولكن علماء الإسلام قد أبدعوا في الطب والهندسة أيضا فهل العرفان هو من قبيل التفسير والحديث أي أن العرفان الإسلامي انبثق مع بدأ نزول الوحي ولم يكن العرفان الإسلامي موجودا قبل الإسلام أم أن العرفان الإسلامي حصل بعد الإسلام لكن العرفان كان موجودا قبل الإسلام كالطب والهندسة فلما جاء الإسلام أبدع علماء الإسلام في العرفان الإسلامي كما أبدع علماء الإسلام في الطب والهندسة توجد ثلاث نظريات:
النظرية الأولى للعرفاء
النظرية الثانية للمستشرقين
النظرية الثالثة لبعض الباحثين
النظرية الأولى
ويذكرها الشهيد مطهري “رضوان الله عليه” في كتابه العرفان وينسبها إلى العرفاء ومفادها إن العرفان قد استمد جميع مواده الأصلية والأساسية من الدين الإسلامي لأن العرفان يقوم على أساس التوحيد وعقيدة التوحيد قد أخذها العرفاء واقتبسها من الدين الإسلامي وأخذوا جميع تفاصيل التوحيد من الدين الإسلامي هذا بالنسبة إلى العرفان النظري لأنه يدرس وجود الله وأسمائه وصفاته وتجلياته وهي عقائد إسلامية.
وأما بالنسبة إلى العرفان العملي الذي يدرس السير والسلوك إلى الله فيقول العرفاء إنهم قد استعانوا بالنصوص القرآنية والروائية وسيرة المعصومين وكلماتهم لتحديد إطار السير والسلوك إلى الله تبارك وتعالى فالمفاهيم التي يستخدمها العرفاء ويستعملونها ما هي إلا استجابة لما ورد في النصوص الدينية وانعكاسا لها، هذا تمام الكلام في النظرية الأولى نظرية العرفاء يدعون أن جميع ما عندهم مأخوذ من الكتاب والسنة وسيرة الأئمة “عليهم السلام” ولم يأتوا بشيء جديد.
النظرية الثانية للمستشرقين
تقول إن العرفان الإسلامي دخيل على الإسلام ودخل إلى العالم الإسلامي من خارجه وتعود جذور العرفان إلى أمور:
الأول المسيحية وخصوصا رهبانية الشام فمن خلال اختلاط المسلمين بالرهبان المسيحيين أخذوا بعض الأمور الروحية والروحانية والعرفانية من الرهبان المسيحيين.
الثاني تطور الفلسفة الأفلاطونية الجديدة والتي هي عبارة من تركيب من أفكار أفلاطون الذي يعد إشراقي يؤكد على إشراق الروح وأفكار أرسطو الذي هو أب المشاء الذي يؤكد على دور العقل وبين فيثاغورث فهؤلاء الثلاثة من كبار حكماء اليونان أفلاطون وتلميذه أرسطو وبعد ذلك فيثاغورث فهناك فلسفة أفلاطونية جديدة عبارة عن مزج بين أفكار أفلاطون الذي يؤكد على اشراقات الروح وأفكار أرسطو الذي يؤكد على البعد العقلي وأفكار فيثاغورث هذه الأفلاطونية الجديدة المحدثة اقتبس منها العرفاء بعض الأفكار وادخلوها في الإسلام.
الثالث أفكار التيارات الإيرانية القديمة وخصوصا الزرادشتية فمن زرادشتية الفرس والزرادشتية هم الذين يعبدون النار وكان مذهب فارس قبل دخول الإسلام ولديهم طقوس روحية ومعنوية فقد أخذ العرفاء بعض الطقوس من زرادشتية الفرس.
الرابع طقوس الهنود فالهنود الذين يعبدون بكوان لديهم طقوس روحية ولديهم تعاليم يمتثلونها أمام الأصنام التي يعبدونها وقد أخذ العرفاء منهم بعض هذه الطقوس.
الخامس طقوس البوذية الذين يعبدون الأصنام ويعبدون بوذا كما في الصين فبعض المستشرقين مثل المستشرق ماسينيون يرى أن الآراء الواردة في مصادر تصوف العرفان الإسلامي مستمدة إما من رهبانية الشام وأما من أفلاطونية اليونان الجديدة وأما من زرادشتية الفرس أو قيد الهنود، إذاً النظرية الثانية على نقيض النظرية الأولى النظرية الأولى ترى أن العرفان بأكمله علم إسلامي أخذ من الإسلام والنظرية الثانية ترى أن العرفان الإسلامي بأكمله دخيل على الإسلام وأجنبي عنه.
النظرية الثالثة
تشير إلى أن العرفان قد أخذ أصوله الأولى من الإسلام فقد وضع العرفاء ضوابط وأصول وقواعد للعرفان اقتبسوها من أصول الإسلام لكنهم بعد ذلك استعانوا بالتجارب العرفانية بالشعوب الأخرى ما دامت لا تتعارض مع الأصول الإسلامية فالأصول من الإسلام والطقوس المختلفة والجزئيات المتعددة قد أخذوها من الحركات العرفانية الأخرى إذا لم تتعارض مع الإسلام.
الشهيد مطهري “رضوان الله عليه” بعد إن تعرض للنظرية الأولى والنظرية الثانية يرى أن المسلم به أن العرفان قد استمد مواده الأولية من الإسلام وذكر عدة نماذج لذلك نشير الآن إلى مصادر العرفان الإسلامي وهي أربعة القرآن الكريم، الحديث الشريف، سيرة المعصومين، الشريعة والفقه الإسلامي نذكرها تباعا ونذكر نماذج من الآيات والروايات التي أعتمد عليها العرفاء واتخذوها أصلا.
المصدر الأول القرآن الكريم
يوضح العرفاء أن العديد من آيات القرآن الكريم تدعو إلى الابتعاد عن الدنيا والعمل للآخرة وهذا ما يجعل النفس نقية بعيدة عن المعاصي والآثام ومن هذه الآيات قوله “عز وجل” ﴿فأين ما تولوا فثم وجه الله﴾[1] فهي تشير إلى أن الله موجود في كل مكان وقوله “عز وجل” ﴿ونحن أقرب إليه منكم﴾[2] تشير إلى قرب الله “عز وجل” من الناس ويتحدث القرآن عن تزكية النفس بقوله “عز وجل” ﴿قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها﴾[3] والقرآن يحث على الزهد والتوكل والتوبة والصبر والكثير من المفاهيم التي ذكرها العرفاء ومن هذه الآيات قوله تعالى ﴿أعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة﴾[4] وقوله تعالى ﴿يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم لله الغرور﴾[5] وقوله تعالى ﴿يا أيها الذين أمنوا اصبروا وصابرو ورابطو﴾[6] وكذلك قوله “عز وجل” يا ﴿أيها الذين أمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحة﴾[7] ، هذا تمام الكلام في المصدر الأول القرآن الكريم.
المصدر الثاني الحديث الشريف
ويعتبر الحديث الشريف منبعا أساسيا وكبيرا للعرفان فقد اعتمد العرفاء في أغلب نظرياتهم وأفكارهم ومفاهيمهم ومصطلحاتهم التي استخدموها على الحديث الشريف بلا فرق بين الأحاديث القدسية والأحاديث الواردة عن النبي والأئمة المعصومين “عليهم السلام” ولعل من أبرز الأحاديث التي تمسك بها العرفاء الحديث القدسي كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق كي أعرف، وقد أراد العرفاء من خلال هذا الحديث تصوير حقيقة العلاقة بين الله والكون بكل ما فيه وبناء على هذا الحديث يمكن استخراج أهم نظرية العرفاء وهي نظرية وحدة الوجود الشخصية أي أنه في العالم لا يوجد إلا وجود واحد شخصي وهو الله “عز وجل” وجميع ما في الكون بما فيه الإنسان إنما هي مظاهر لوجود الله تبارك وتعالى، بالنسبة إلى المفهوم الفناء في الله يتمسك العرفاء بالحديث الذي يقول (لا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به بصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده التي يبطش بها ورجله التي يسعا بها فبي يسمع وبي يعصر وبي ينطق وبي يعقل وبي يبطش وبي يمشي). [8]
ومن الأحاديث المنقولة عن النبي “صلى الله عليه وآله” فيما يخص العرفان الرواية المشهورة حينما دخل رسول الله “صلى الله عليه وآله” المسجد فرأى شابا قد اصفر وجه فسأله النبي (كيف أصبحت يا فلان قال أصبحت يا رسول الله موقنا تعجب الرسول من قوله وقال إن لكل يقين حقيقة فما حقيقة يقينك فرد عليه الشاب حقيقة يقينه وكأني انظر إلى أهل الجنة وهم فيها منعمون وكأني انظر إلى أهل النار وهم فيها معذبون إلى آخره النبي “صلى الله عليه وآله” التفت إلى أصحابه قائلا له هذا عبد نور الله قلبه بالإيمان)[9] .
وقد جاء في نهج البلاغة في أحدى خطب أمير المؤمنين أنه قال (إن الله سبحانه وتعالى جعل الذكر جلاء للقلوب تسمع به بعد الوقرة وتبصر به بعد العشوة وتنقاد به بعد المعاندة وما برح لله عزة آله في البرهة بعد البرهة وفي أزمان فترات عباد ناداهم في فكرهم وكلمهم في ذوات عقولهم)[10] ، هذا تمام الكلام في المصدر الثاني الأحاديث.
المصدر الثالث سيرة المعصومين “عليهم السلام“
تشكل سيرة النبي “صلى الله عليه وآله” والأئمة المعصومين أحد مصادر العرفان الإسلامي فالنبي والأئمة قدوة في سلوكهم العملي وفي حياتهم مع المجتمع ومن المعروف أن النبي “صلى الله عليه وآله” كان كثير العبادة حتى نزل عليه قوله “عز وجل” ﴿طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى﴾[11] وروي أن النبي “صلى الله عليه وآله” كان يتهجد حتى تورمت قدماه فروي عن الإمام الباقر “عليه السلام” أنه قال (كان رسول الله “صلى الله عليه وآله” عند عائشة ليلتها فقالت يا رسول الله لما تتعب نفسك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال يا عائشة ألا أكون عبدا شكورا)[12] وجاء في الكافي للكليني الجزء السادس صفحة 450 روى أبو علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار إلى آخر السند قال رأيت أبا عبد الله “عليه السلام” وعليه قميص غليظ خشن تحت ثيابه وفوقها جبت صوف وفوقها قميص غليظ فمسستها وقلت إن الناس يكرهون لباس الصوف فقال عليه السلام كلا كان أبي محمد بن علي “عليهما السلام” يلبسها وكان علي بن الحسين “عليهما السلام” يلبسها وكانوا “عليهم السلام” يلبسون أغلظ ثيابهم إذا قاموا إلى الصلاة ونحن نفعل ذلك[13] والأخبار في السلوك العرفاني للنبي والأئمة والتهجد والتعبد كثيرة جداً.
المصدر الرابع والأخير الشريعة والفقه الإسلامي
يعتقد العرفاء أن الغاية التي أرسل الأنبياء لأجلها هي إيصال الإنسان إلى كماله وإيصال الخلق إلى كمالهم المحدد لهم والمتناسب مع استعدادهم وقابلياتهم ونقلهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم والكمال وهذه الغاية لا تتحقق إلا بتكبير قوتي العلم والعمل فالإنسان يمتلك عزيمة ويريد أن يسير على خط الأنبياء لابد أن يقوي العلم والعمل فإذا عزم الإنسان على المسير إلى الكمال احتاج إلى منهج وطريق وهو الشريعة الغراء والطريق الشرع هو أقرب الطرق لتكميل قوتي العلم والعمل والالتزام بضوابط الشريعة كفيل بإيصال الإنسان إلى الكمال لذلك بحث العرفاء أصول الاعتقادات واستدلوا على ضرورتها ووجودها وأكدوا على ضرورة العمل بالشريعة في سلوك العرفاني.
يقول السيد حيدر الآملي في كتابه أسرار الشريعة وأطوار الطريقة وأنوار الحقيقة صفحة 175 قال إن الله كامل حكيم والأنبياء والرسل كما سبق أطباء النفوس إلى أن يقول وقوانينهم في الشرائع كالمعاجين لمرض الناس إلى أن يقول فلو عرفوا هناك دواء لدائهم أنفع وانسب من هذا الأمر لأمروا به وأظهروه للناس ليستعملوه في إزالة أمراضهم لأن ذلك واجب عليهم من باب اللطف فعرفنا إن هذا الدواء المعبر عنه بالفروع كاف في إزالة مرض الجهل والكفر والشك والنفاق، للمطالعة ابن الفارض، ابن الفارض شاعر صاحب قريحة وأشعاره من أهم الأشعار العرفانية فقد نظم الكثير من المفاهيم القرآنية والروائية لكن بعض الأشعار مشكلة واتهم بالاتحاد والفناء والحلول.
هوامش:
[6] السورة آل عمران، الأية 200.
[8] ميزان الحكمة، المحمدي الري شهري، الشيخ محمد، ج3، ص2540.
[9] ميزان الحكمة، المحمدي الري شهري، الشيخ محمد، ج4، ص3389.
[10] ميزان الحكمة، المحمدي الري شهري، الشيخ محمد، ج2، ص970.
[12] ميزان الحكمة، المحمدي الري شهري، الشيخ محمد، ج4، ص3232.
[13] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج6، ص450.
__________________________
*نقلاً عن موقع ” مدرسة فقاهت”.