الدراسات والبحوث

عجالة في العرفان الإيراني

عبد الحسين فرزاد

عجالة في العرفان الإيراني

عبد الحسين فرزاد

المستخلص:

الحق أن العرفان (الّذي هو مفهوم للعالم) و (نظرية في المعرفة) و (منهج في البحث)، هو مذهب وطريقة في الحياة . وكذلك الحركة العرفانيّة فهي تكشف قابليتها للكشف والشهود وصفاء الباطن .

ولعلّ من أهم ما نطالعه عن العرفان الإيراني في تاريخ الآداب الإيرانية، سير العبد إلي اللّه عن طريق قلبه مع نفي كلّ ما سوي اللّه .

ربما كان الواجب الإجتماعي للأدب العرفاني هو مكافحة الجبابرة والمترفين مع طرد هيمنتهم المادية .

والحقّ إنّ الإيرانيين لم يروا في الحياة المادية أساساً رئيسياً للتقدم، بل وجدوا الرّشد في الصعود عن طريق الباطن إلي الإدراكات الإلهية العالية .

الكلمات الأساسية

العرفان وحدة الوجود الكشف الشهود .

طرح المسألة

أصبح العالم الذي نعيش فيه يستند أكثر فأكثر علي سلوك الأفراد ووجوب الحفاظ علي حقوق الإنسان وهناك كثير من الشعراء والفنانين قد ملكت عقولهم وقلوبهم محبة الإنسان ومقدراته .

نعم نحن نفتخر أن نقول إنّ قيمة الإنسان وحقوقه قد عُرفت من جانب الإيرانيين قبل الإسلام وبعده . ولا شك أن قورُش (Cyrus) مؤسس سلالة الأمينيين هو أول من صدّر ميثاقاً لحقوق الإنسان وهو المعروف بمرسوم قورش الكبير .

ومن أهم الأمور التي أهدتها الثقافة الإسلامية الإيرانية إلي الدنيا هو العرفان، الذي وثّق الصلة بين الثقافة الإيرانية وثقافات العالم الإنسانية .

كما شكلت الحماسة الشعبية والشعر الغنائي والقصة والحكاية والحكمة والأخلاق حلقات أخري للصلات الروحية الاجتماعية ، لكن تلك العلاقات ترتبط بالأمور التاريخية أو الشؤون الإنسانية إرتباطاً وثيقاً ومن الطبيعي أن تكون قيمتها مرتبطة بالعلاقات القابلة للتغيير والتبديل.

أما الأدب العرفاني فهو حصيلة التجارب الإنسانية العميقة في مكاشفة الأرواح وهذا لا يعروه تحول أو تغيير لأنّ العرفان والتصوّف يتطلبان بحثاً دقيقاً في أعماق الروح الإنسانية . ومما لا شك فيه أنّ للملاحم الكبري أبعاد إنسانية محسوسة ، لكن الملحمة تعتني بآداب النجباء والأمراء وأهدافهم ، وبعبارة أخري ، كانت الملاحم إنعكاساً للحياة والأفكار الطبقية في المجتمع ، ولدينا في الأدب الفارسي ملاحم كثيرة مشهورة كشاهنامة الفردوسي وجرشاسبنامة الأسدي الطوسي و …

أما في الشاهنامة ، ومن خلال القصة نري الفردوسي كحكيم ومفكر له شفقة وشغف بالإنسان والإنسانية ولكن الحديث أخذ يدور في الشاهنامة حول بطولية رستم بشكل خاص وغزواته الوسيعة مع عناصر الشر والفساد في حياة الأمراء والسلاطين والطبقات المجتمع الاُولي .

ومن خصائص العرفان الإيراني الفذة اعتناؤه بالأشخاص المعدومين من الطبقات الفقيرة في المجتمع ، وربما يكون الأدب العرفاني أوّل من فسح المجال لهذه الطبقة في دخول ميدان الأدب ، أو بعبارة أخري : اتخذ الشعراء والكتّاب الصوفيين تراجم احوال هذه الطبقة مرآة تعكس الظلم والاستبداد الاجتماعي .

لقد صوّر (النسائي) وخاصة (العطار) آلام هذه الطبقة في قصصهم القصيرة أكثر من بقية الشعراء الايرانيين ، والعجيب أنّ الشيخ العطار ، اختار أكثر أشخاص قصته من هذه الطبقة كالفلاح والسقاء وحافر القبور والمجنون وسائر الأشخاص العاريين من كل منزلة اجتماعية . والحقيقة أنّ أكثر مشايخ الصوفية نشأ في بيئة الطبقات المحرومة مثل : (اويس القرني) الراعي ، (حبيب بن سليم) الراعي ، (بايزيد البسطامي) السقاء ، (السري السقطي) البائع المتجول) ، (أبوالقاسم الجنيد) الزجاج ، (سمنون المحب) التامر ، (أبوالعباس الآملي) الجزار ، وغيرهم .

ومن هنا ، يتبين لنا لماذا كان للأدب العرفاني السلاسة في القول والبيان السهل الذي كان يميزه عن الأدب المدرسي والرسمي ، لأن هؤلاء الأفراد ، تطوقوا إلي ما لم يخطر ببال شعراء البلاط .

نحن لم نجد في تعاليم الصوفية مكاناً لليأس وسوء الظن في الضمائر الحية كأدب أبي العلاء المعري . لأن الفكر الصوفي يقوم علي وحدة الوجود أو وحدة الشهود ، والنتيجة واحدة وهي : حسن الظن الذي يربط الناس برابطة معنوية ثابتة ، توجب المودة والأخوّة الصافية بينهم . وقد كان الهدف من التربية الصوفية الأخوّة والودّ ، هو إيثار مراد الغير علي مراد النفس وكانت هذه هي الغاية القصوي التي يُفني فيها المحب في الحبيب بحيث لم يبق فيها مكان ، للأنا والأنتَ ، وهذه العلاقة نادرة الوجود .

رُوي أن قال قسيس : «لو طفئت نار الجحيم فأنا أسعرها بأنفاسي حتي أحرق كلّ المذنبين» .

فأما في العرفان الإيراني الإسلامي، فودّ الغير هو أصل من الأصول ، سمعناه قول (شهاب الدين سهروردي) : لم ينم الشيخ ليلاً من حول الجحيم وسمعته يقول صباحاً : «ليت الجحيم امتلأت منّي ، حتي ينجو منها سائر الناس» .

فمعرفة العارف التي تدعي بالعرفان ، تسمي الكشف ، وهذا الكشف في الحقيقة ، هو رفع الحجاب عن الحقّ . والخروج من دائرة المشهودات ، إذ لا يري غير جمال الحقّ الذي لا وجود لسواه ، في كل مراحل معرفة الحق ، يكون إدراك العارف، الكشف ، لا الاستدلال ، والشهود لا الأخبار .

سأل أحد الصحابة الإمام عليّاً (ع) : (أفرأيت ربّك ؟ ) فأجابه عليه السّلام : (ما أعبد ما لا أري) وحتي زاده : (لم أعبد ربّاً لم أره) وهذا صحيح حقاً ، لأن من صفي قبله بنور المعرفة رأي اللّه بالبصيرة قبل رؤية البصر .

والصوفية تجتنب عدة أشياء أولها ، الفلسفة إلي حد المقت .

قال الأستاذ المولوي : أرجُلُ أهل الاستدلال من الخشب ، ولا قِوام للأرجُل الخشبية .

والمسألة الأخري التي ينفر منها الصوفيون هي العقل . كان الصوفية يعتقدون بأنّ الفرار من العقل وسيلة لتزكية النفس ، والذين تحرروا من قيود العقل يدعون بالإبدال .

وجدير بالذكر ، أنّ الخوف لم يكن له مكان في قلوب الصوفيين إذ لم يخافوا أحداً إلاّ اللّه لأ نّهم لا يعتقدون بوجود غير وجوده تعالي .

رُوي أنّ السلطان (محمود الغزنوي) أراد أن يري الشيخ (أبا الحسن الخرقاني) ويعلم أنّ الشيخ لا يذهب لزيارة السلطان ، فقال لرسوله : قل للشيخ : قال اللّه تعالي : «أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول واُولي الأمر منكم » .

ولمّا وصل الرّسول واستمع الشيخ إلي قوله ، قال : قل لمحمود : أنا منهمك في «أطيعوا اللّه » بحيث لا أعلم أرسول يوجد في العالم أم لا ؟ إذاً فكيف أصل إلي المرتبة الثالثة (يعني اُولي الأمر) .

ثمة مسألة أخري من تعاليم الصوفية الإنسانية وهي التسامح والحرية في الدين والمذهب وهي الاعتقاد بوحدة الأديان الموجود . لأ نّهم يقولون أنّ الإختلاف بين الأديان ظاهريّ ولفظيّ وكما يقال : يمشي الشكّ والدين جنباً إلي جنب في طريق اللّه ويقولان : وحده لا شريك له .

والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.

___________________

*نقلاً عن مجلَّة” آفاق الحضارة الإسلامية”.

* معهد العلوم الإنسانيّة والدراسات الثّقافيّة (وزارة التعليم العالي).

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى