تخميس ابن عربي لقصيدة “ما لذّة العيش”
أبو مدين الغوث
يا طالِباً مِن لَذاذاتِ الدُّنَا وَطَرا
إذا أردتَ جميعَ الخَيرِ فيكَ يُرى
المُستشارُ أمينٌ فاسمَع الخَبرا
(ما لَذَّةُ العَيشِ إلا صُحبة الفُقَرا
هُم السَّلاطِينُ والسَّاداتُ والأُمَرا)
قومٌ رَضُوا بيَسِيرٍ مِن مَلابسِهم
والقُوتِ لا تخطُر الدنيا بهاجِسِهم
صُدورهُم خالِياتٍ مِن وسَاوِسِهم
(فاصْحِبهُموا وتَأدَّبْ في مَجالِسِهم
وخَلِّ حَظَّكَ مهْمَا قَدَّمُوكَ وَرَا)
اسْلُك طريقَهموا إنْ كُنتَ تابِعَهُم
واتْرُك دعَاويكَ واحْذَرْ أن تراجعهم
فِيما يُريدونه واقصُد منافِعهُم
(واستغْنِم الوقتَ واحضُر دائماً معهم
واعلم بأنَّ الرِّضا يخْتَصُّ من حَضَرا)
كُنْ راضِياً بِهِمُوا تَسْمُ بهم وتَصِلْ
إنْ أثبتُوكَ أقِمْ أو إنْ مَحَوكَ فَزُلْ
وإنْ أجاعوكَ جُعْ أو أطعَمُوك فكُلْ
(ولازِمِ الصَّمتَ إلا إن سُئِلتَ فقُلْ
لا عِلْمَ عِندي وكنْ بالجَهل مُسْتَتِرا)
ولا تكُن لعُيوبِ الناس مُنتقِدا
وإن يَكن ظاهِراً بين الوجود بدا
وانظُرْ بعَينِ كَمَالٍ لا تُعِبْ أحَدا
(ولا تَرَ العَيبَ إلا فيكَ مُعتقِدا
عَيباً بدا بَيِّنَاً لكنّهُ اسْتَترا)
تَنَلْ بذلِكَ ما ترجُوه من أدبٍ
والنفسُ ذَلِّلْ لهم ذُلّاً بلا ريْبٍ
بلْ كلُّ ذلك ذُلٌّ نابَ عن أدبٍ
(وحُطَّ رَأسكَ واستغفِر بلا سببِ
وقمْ على قدَمِ الإنصَافِ مُعتذِرا )
إن شئتَ منهم بريْقاً للطريقِ تشمْ
عن كلِّ ما يَكرهوهُ مِن فِعالكَ ذُمْ
والنفسُ منكَ على حُسنِ الفِعالِ أدِم
(وإنْ بَدا منكَ عَيبٌ فاعترفْ وأقِمْ
وَجْهَ اعتذاركَ عمَّا فيكَ مِنكَ جَرى)
لهُم تَمَلَّقْ وقلْ داوُوُا بصُلحِكُموا
بمرْهَمِ العَفوِ مِنكمْ داءَ جرحِكمُوا
أنا المُسيءُ هِبُوا لي مَحضَ نُصْحِكمُوا
(وقلْ عُبَيْدكمُوا أَوْلى بصَفحِكمُوا
فسَامِحُوا وخذوا بالرِّفقِ يا فُقَرا)
لا تخشَ مِنهم إذا أذنَبتَ هِمَّتهُم
أسنى وأعظَمُ أن تردِيكَ عِشرَتهُم
ليسوا جَبَابرة تؤذِيكَ سَطوَتهُم
(هُم بالتفضّلِ أَوْلى وهو شِيمَتهُم
فلا تخفْ دَرَكاً مِنهم ولا ضَرَرا)
إذا أردتَّ بهم تسْلُكْ طَريقَ هُدى
كنْ في الذي يَطلبُوه مِنكَ مُجتهِدا
في نورِ يومِكَ واحذَرْ أن تقول غدا
(وبالتغنِّي عَلى الإخوان جُدْ أبدا
حِسّاً ومَعنىً وغُضَّ الطَّرفَ إن عَثرَا)
أَصْدِقْهُم الحَقَّ لا تسْتعمِل الدنَسَا
لأنهم أهْلُ صِدقٍ سادَةٌ رُؤَسَا
واسمَح لِكلِّ امْرئٍ مِنهم إليكَ أسَا
(ورَاقِبِ الشيخَ فِي أحوالِهِ فعَسى
يرى عَليكَ مِن استِحْسَانِهِ أثرَا)
وأسْألهُ دَعوَتهُ تَحْظَ بدَعوَتهِ
تنَلْ بذَلكَ مَا ترجُوا ببَركَتهِ
وحسِّنْ الظنَّ واعْرفْ حَقَّ حُرمَتهِ
(وقدِّمِ الجِّدَّ وانهَضْ عندَ خِدْمَتِهِ
عَسَاهُ يَرضَى وَحَاذِرْ أن تكنْ ضَجِرا)
واحْفظْ وصِيّتهُ زِدْ مِن رِعَايَتِهِ
ولَبِّهِ إنْ دَعَا فوراً لِسَاعَتهِ
وغُضَّ صَوتكَ بالنجْوى لِطاعَتِهِ
(ففِي رضاهُ رِضَا الباري وطَاعَتِهِ
يَرضَى عليكَ فكنْ مِن تركِهَا حَذِرَا)
والزَمْ بمَنْ نفسُهُ نفْسٌ مُسَايسَةٌ
في ذا الزَّمانِ فإنَّ النفسَ آيِسةٌ
منهُم وحِرفتهُم في الناسِ باخِسَةٌ
(واعلم بأنَّ طريقَ القومِ دَارِسَة
وحَالُ مَنْ يدَّعِيهَا اليومَ كيف ترَى)
يَحِقُّ لي إنْ نَأوْا عَني لأُلفتهِم
ألازمُ الحزنَ ممَّا بي لِفرقَتهم
على انقِطاعي عنهُم بَعدَ صُحبتِهم
(مَتى أراهم وأنّى لِي برُؤيتهم
أو تسمَعُ الأذُنُ مِني عنهُم خبَرَا)
تَخَلّفِي مانِعِي مِن أنْ ألائِمَهُم
منهُم أتيتُ فلُمْنِي لسْتُ لائِمهم
يا ربِّ هَبْ لي صلاحاً كي أنَادِمُهم
(مَن لِي وأنّى لِمثلي أن يزاحِمهم
على موارِدٍ لمْ آلفْ بها كَدَرا)
جَلَّتْ عن الوصْفِ أن تُحصَى مآثِرهُم
على البواطِنِ قدْ دَلّتْ ظواهِرُهُم
بطَاعةِ الله في الدنيا مفاخرهُم
(أحِبّهم وأُداريهِم وأوثرهم
بمُهجَتي وخصُوصاً مِنهمْ نفرَا)
قومٌ على الخلقِ بالطَّاعاتِ قدْ رُؤِسُوا
منهُم جَلِيسهُم الآدابَ يَقتَبسُ
ومَن تخلَّفَ عنهُم حظَّهُ التعِسُ
(قومٌ كرامُ السَّجايَا حَيثمَا جَلسُوا
يبقى المكانُ على آثارِهِم عَطِرا)
فَهِمْ بهِم لا تفارِقهُم وَزِدْ شَغَفا
وإن تخلَّفتَ عنهُم فانْتَحِب أسَفا
عصابةٌ بهم يُكسى الفتى شرَفَا
(يهدِي التصَوّفُ مِن أخلاقهِم طرَفا
حُسْنُ التآلُفِ منهُم رَاقني نظرا)
جَرَرتُ ذَيلُ افتِخَاري فِي الهَوى بهِمُوا
لما رضُوني عُبَيْداً فِي الهَوى لَهُمُوا
وحقّهم في هواهم لستُ أَنَسَهُمُ
(هُم أهلُ وُدِّي وأحبابي الذينَ همُ
مِمنْ يَجرُّ ذُيولَ العِزِّ مُفْتَخِرا)
قطَعتُ فِي النّظْمِ قلبِي فِي الهَوى قَطْعا
وقد توسّلتُ للمَولى بهم طَمَعا
أن يغفِرَ الله لِي والمسلمين معا
(لا زالَ شَمْلي بهم في الله مُجتمِعا
وذنبُنا فيهِ مغفورا ومُغْتَفَرا)
يا كلَّ مَن ضَمَّهُ النادِي بمَجلِسنا
أدعُ الإلهَ بهِم يمحو الذنوبَ لنا
وادعُ لِمنْ خَمّسَ الأصْلَ الذي حَسُنا
(ثمَّ الصَّلاةُ على المُختارِ سَيّدِنا
مُحَمّدِ خيرُ مَن أوفى ومَن نَذَرَا)
______________