فنون و آداب

المحاور المشتركة بين الأدبين الرومانسي والعرفاني

د. عبد الوهاب عبد الله عبد الرحيم

المحاور المشتركة بين الأدبين الرومانسي والعرفاني

د. عبد الوهاب عبد الله عبد الرحيم

جامعة السليمانية / سكول اللغات

The Common Areas between the Romantic and the Sophistic Literatures

Asst. Prof. Dr. Abdul Wahab Abdullah Abdul Raheem

University of Al-Sulaimanya / School of Languages

Abstract

This research deals with the common themes between the Romantic and the Sophistic Literatures which range from constructionism and symbolism because the advocates of the constructive approach look at the literary text as a self-dependent linguistic entity and they then analyze the text according to its words, sentences, constructions, figures of speech and poetic images. The constructive approach focuses on the text away from the author, society and environment for the corner stone of the constructive criticism is analysis. The poem is not a group of verse lines but it is constructed from levels which are (connotative, phonetic, morphological, grammatical, and lexicological levels).

المقدمة

في هذا البحث نتناول ابرز الثيمات المشتركة بين الادب الرومانسي والادب الصوفي اللذان يتأرجحان بين البنيوية والرمزية، باعتبار ان اصحاب المنهج البنيوي ينظر الى النص الادبي ككيان لغوي قائم بذاته ومن ثم ينصب الاهتمام بتحليل النص من حيث الفاظه وجمله وتراكيبه ومجازاته وصوره الشعرية، ان المنهج البنيوي يتمحور حول النص بمعزل عن كل ما يربطه بالمؤلف والمجتمع والبيئة، وجوهر النقد البنيوي هو التحليل، فالقصيدة ليست مجرد مجموعة من الابيات، نعاملها في الظاهر على انها محصلة لهذه الابيات، اي ان القصيدة لا تتألف من ابيات كما توحي النظرة السطحية المتعجلة بل تبنى من مستويات وهي التي يمكن تقسيم العمل الادبي اليها، وهذه المستويات هي (المستوى الدلالي، المستوى الصوتي، المستوى الصرفي، المستوى النحوي، المستوى المعجمي)، ويظل هدف البنيوية الى الوصول الى فهم المستويات المتعددة للأعمال الادبية ودراسة علائقها، ولكننا نركز على المستوى الدلالي للنص، واما الرمزية التي تعد القاسم المشترك بين الادبين: فمعناه الايحاء الغير المباشر عن النواحي النفسية التي تتعذر على اللغة المألوفة على ادائها، والرمز هو وسيلة التعبير عن زوايا غامضة في النفس لا تقوي اللغة على التعبير عنها، ويعتقد الرمزيون بان على المؤلف ان يخفي شيئا اعمق، وان العالم الواقعي ليس الا انعكاس للعالم الغيبي الخفي ولا يمكن بلوغه عن طريق العقل بل عن طريق الرمز، وان الفن ينظر الى العالم العلوي (عالم ما فوق الطبيعة) وقربوا اجواء الفن عن الاجواء الدينية والغيبية.

المطلب الاول: نشأة المذهب الرومانسي وهيمنة ادبه.

  • ظهور الرومانسية كمذهب ادبي: ظهرت الرومانسية كثورة على قيود الكلاسيكية وقواعدها ومناهجها التي مضى عليها زمن طويل بحيث لا تناسب العصر الجديد والحياة الجديدة، فشرع الادباء يبحثون عن مبحث ادبي تواكب العصر ومظاهرها الجديدة، لكي يستطيع الفرد عن طريقه ان يعبر عن همومه ومعاناته. اخذت تباشير الرومانسية تظهر في الآداب الاوروبية مع منتصف القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر (1)
  • اصول كلمة الرومانسية: كانت انجلترا اول مكان اصبح فيه المصطلح مالوفا وواسع الانتشار، وكانت الرومانسية في البداية تتصل بقصص الخيال القديمة، وحكايات الفروسية، والمغامرة، والحب، وقد استعملت كلمة الرومانسيين في عبارات مثل (حكايات رومانسية وحشية) لتفيد معنى (زائف) (متخيل (وهمي) وفي القرن السابع عشر كانت توجد الى جوار (خرافي)(طنان، سخيف، طفولي) (وتفاهات رومانسية واوهام لا تعقل) ثم اخذت تشتق منها معاني اخرى مثل (اسر الخيال) وتطلق على المشاهد الريفية ومناظر الطبيعة ولاسيما لوصف الجبال والغابات والاماكن المستوحشة، وتشير قبل كل شيء الى الاستجابة العاطفية التي يثيرها المشهد، لم يكن الرومانسي منذ بدا تكوينه من مصطلحات النقد الفني، وانتقاله الى هذا الادبي مسالة متأخرة نسبيا، يعتقد انها ترجع الى تأملات (فردريك شليكل) في صفحات المئة والخمسة والعشرين في عام 1797م(2) ((تعد الرومانسية اهم حركة ادبية في تاريخ الاداب الاوروبية لانها اشتملت على كثيلر من المبادىْ، وكانت خطوة في سبيل نشاة المذاهب الادبية المختلفة)) (3)

اهم مميزات الرومانسية

1* اهمها اعتدادهم الشديد بملكة الخيال التي تحولت بادبهم الابداعي من عالمم الشعور الى عالم اللاشعور، ان افق الخيال عندهم واسع سعة الكون لاحدود له الخيال الرحب محك قدرة الشاعر في الابداع والانتاج الخلاق.

2* تلعب العاطفة في الشعر الرومانسي دورا فعالا في التعبير عن الاشياء وفي تصوير الافكار وتمنحها الحيوية.

3* حرية الاديب من القيود والقواعد المفروضة التي كبلت يدي الشاعر في الابداع، انتقلت تلك الحرية الفردية الى المطالبة بحرية المجتمع، ونسف القوانين التعسفية التي تقف حجر عثرة في طريق تقدمه انطلاقا من حرية الاديب.

4* مال الكثير من الرومانسيين الى النزعة الاسطورية او الرمزية او الفولكلورية في شعرهم ويعد (شاتوبريان) من ابرز المستخدمين لهذه النزعات في شعره.

5* ينزع الشعر الرومانسي الى التحرر من ضوضاء المدينة والفرار من الواقع.

6* تبرز في الشعلر الرومانسي ظاهرة (الانا)(الذاتية) (الفردية) والتجربة الخاصة.

7* الجمال عندهم هو الدعامة الرئيسية لكل نشاط انساني.والجمال عندهم مراة الحقيقة، فلا حقيقة سوى جمال ولا جمال بدون حقيقة.

8* قدم الرومانسيون الفرد على المجتمع والعاطفة على العقل والقلب على الدماغ والشعور على المنطق والموهبة على الصنعة والالهام على المهارة والعفوية على القاعدة.

9* اهتم الرومانسيون بالاصالة والخلق والابداع ورجحوا العناية بالمضمون على العناية بالشكل، واحيانا استخدموا غريب الالفاظ لاجل استكشاف اساليب تعبيرية جديدة تكون اكثر تاثيرا على المتلقي(1).

10* يحتل الحب عندهم لدرجة الهيام مكانه المرموق يتميز هذا الحب بطابع العفة، والحب عندهم من الحاجات الحياتية الاساسية ومن امتنع عن الحب فهو قاصر في نظرهم ونيتابه القلق(2).

المعاني التي نسبت الى المصطلح الرومانسية

لقد الحقت بمصطلح الرومانسية معاني وتعاريف متنوعة ومتعددة تبعا لتباين الامزجة والاهواء والاذواق الادبية وباختلاف الصورة التي يلقطها المتلقي من مفهوم الرومانسية واستجابته لهذا الفن الادبي. لذلك يعتقد البعض بان من يحاول تعريف الرومانسية يدخل في مهمة خطرة، لان حدها قد يصل بعدد الذين كتبوا عن الرومانسية، وهذه عرض لبعض المفاهيم عن الرومانسية.

  • طوتة: الرومانسية مرض والكلاسيكية صحة.
  • روسو: الرومانسية هي العودة الى الطبيعة.
  • اتخذت الصور الرمزية دورا حيويا مركزيا في الشعر الرومانسي بوصفه وسائل خارجية مرئية للادراك الداخلي الرؤوي.
  • ووتر هاوس: جهد للهروب من الواقع.
  • جورج ساند: الرومانسية عاطفة اكثر منها عقل، القلب في مواجهة الراس.
  • نيلسون: خيال في تناقضه مع العقل وادراك الحقيقة.
  • كازميان: بروز مكثف للحياة العاطفية، تستثيرها او توجها ممارسة الرؤيا الخيالية، وهي بدورها تحرك او توجه تلك الممارسة.
  • كير: الطريقة السحرية في الكتابة.
  • يرسن: الروح اكثر اهمية من الشكل.
  • سـانتسبري:الرومانسية تترك الفكرة لقدرة القارئ على الكشف يساعده فيي ذلك الايحاء والرمز(1).
  • هيرافورد: تطور يفوق المألوف لحساسية الخيال.

الشعر الرومانسي

الشعر الرومانسي شعر عالمي تقدمي، وقد قدر له توحيد انماط الشعر المختلفة وربط الشعر بالفلسفة والبلاغة، وعليه ان يمزج ويصهر الشعر والنثر، والنبوغ والنقد، الشعر الفني والشعر الطبيعي، وان يجعل الشعر حيا واجتماعيا، والعيش والمجتمع شعريا، ان يضفي الشعر على الفهم، الشاعر الرومانسي يعيد خلق الحياة انطلاقا من نظرتة الى الاشياء وعلاقته بالعالم الذي يعيش فيه، بوسع الشعر الرومانسي مثل الملحمة، ان يكون مرأة العالم اجمع، صور العصر، يكون الشعر الرومانسي بمنزلة الفهم من الفلسفة، ومنزلة الصفة الاجتماعية والصداقة والحب من الحياة، الشعر الرومانسي ما يزال في عملية خلق، كونه في تطور ابدي، لا يكتمل ابدا(2)، ان الطاغي على الشعر الرومانسي هي العاطفة، فأطلق لنفسه العنان في احلامه لهذا اصبح عالم خياله احب اليه من العالم الحقيقي، وهذا ما يدفعه ان ينطوي على نفسه والحلم يتجسد عند الرومنسي الى الحقيقة دون ان يجني من وراءه الا الالم والخيبة، والخيال يفعل بصاحبه سلبا وايجابا فأما يحصد منه املا وتفاؤلا واما تكون ثمرته مرة لا اكثر من ذلك، ولكن الرومنسي دائما يطمع الى عالم اسمى من عالمه فيلجا الى الصور التي يهتدى من خلالها الى سعادته، الرومنسي غريب في عصره بشعوره واحساسه ولذا كان عصبي المزاج ذا نفس سريعة التأثر وقلب عامر بعواطف انسانية(3).

المطلب الثاني: حركة التصوف الاسلامي وادبه الراقي

من هم الصوفية: بداية القول ان التصوف حالة وجدانية يتذوق المريدون نشوة اللقاء بالله تعالى والاتحاد به روحيا عن طريق العبادة وتكريس معظم اوقات الحياة لهذه الغاية بإرادة من الله تعالى وفضله، وبذلك فان الصوفي هو المسلم الذي يعتزل مباهج الحياة ونعيمها وملذاتها ويحارب اهواء النفس وشهواتها سالكا طريق الحق تعالى بتنفيذ اوامره في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والتمسك باركان الشريعة الاسلامية مع حصول مواجهات فكرية بين اهل الشريعة واهل الطريقة وصلت احيانا الى حد استعمال العنف من جانب اهل الشريعة بحق الصوفية.

(يقول ابن التيمية بان التصوف فرع من فرعي الشريعة، الفرع الاول يتعلق بالظاهر فيدعو الى الاعمال الظاهرة التي تجري على الجوارح والاعضاء الظاهرة التي تجري على الجوارح والاعضاء الظاهرة من الجسم وهي الصلاة والصوم ودفع الزكاة، وأداء فريضة الحج… واحكام المعاملات كالحدود والزواج والطلاق والعتق والبيوع وغير ذلك، سمي هذه الاعمال بعلم الفقه، وهذا العلم مخصوص بأهل الفتيا والفقهاء، يسمى اهل الشريعة باهل الظاهر او أهل الرسوم.

والفرع الثاني هو المتعلق بالأعمال الباطنية، وهي اعمال القلوب والباطن وسمي هذا الفرع بالتصوف وسمي اصحابها بالصوفية والذين يسمون انفسهم بأرباب الحق واهل الباطن(4)، ان خلاف الصوفية مع اهل الشريعة لم يقتصر على نظرتهم الى ظاهر الشرع وباطنه بل تعدت الى فهم الصوفية لمعاني احكام الشريعة ذاتها من فرض ونافلة وحلال وحرام ومكروه ومندوب اليه وبذلك منحو لأنفسهم حق التشريع ولكن لأنفسهم فقط لا لغيرهم(1).

كيف ظهرت التصوف الاسلامي:

ظهرت حركة التصوف الاسلامي وتبلورت فكرتها بين المسلمين في خضم الجدل الحاد والصراع المستديم بين المسلمين وقد اتسم هذا الصراع بالشدة والعنف احيانا بين الاطراف المتصارعة من الفلاسفة والمذاهب السياسية والفقهية والاعتقادية لقد انبثق التصوف من تلك الارضية المشحونة بمختلف الافكار المحلية والدخيلة، وكان ظهوره في ذلك الظرف رأية السلام ومدعاة الوئام وتوافقا وتوفيقا بين الافكار والمعتقدات ولاسيما في مظهره الاول عندما كان التصوف يهدف الى بناء مجتمع من طراز خاص ولا سيما في وقت كان الناس يكفر بعضم بعضا وابيحت دماء المسلمين لا لشيء الا استبدادا بالرأي، نعم في هذا الوقت العصيب كان منطق الصوفية هو العودة الى الحياة الدينية الصحيحة والى عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) واصحابه الكرام امثال (ابي ذر الغفاري) و(حذيفة بن اليمان)(2)، قال عنهم (ابو هريرة (ر.ض)): ((لقد رأيت سبعين من اهل الصفة يصلون في ثوب واحد منهم من لم يبلغ ركبته فأذا ركع احدهم قبض بيديه مخافة ان تبدوا عورته))(3) ومن اهم مقومات هذا المذهب او تلك الحركة كانت التضحية بالنفس ردا على تفشى الآثام والمجون والجهر بالسوء، قال احدهم ان منشأ النزوع الى التصوف هو ثورة الضمير على ما يصيب الناس من مظالم لا تقتصر على ما يصدر عن الاخرين وانما تنصب اولا وقبل كل شئ على ظلم الانسان نفسه، وتقترن هذه الثورة برغبته في الكشف عن الله بأية وسيلة يقويها تصفية القلب من كل شاغل(4).

مادة كلمة الصوفي ومنشأها:

  • مادة هذه الكلمة لغة تفيد لبس الصوف اتخذه بعض الزهاد وسيلة للعزوف عن الدنيا وتعويد النفس على الخشونة(1).
  • فئة من الباحثين يعيدون الكلمة الى اصل يوناني وهي تعني الحكمة (Sophia)(5).
  • ينسبها البعض الاخر الى (اهل الصفة) وهم فئة ناسكة من الصحابة 6).
  • او منســوب لذلك الفريق من المصلين الذي تعود ان يصلي في الصف الاول وراء الرسول، او الامام(7).
  • وقيل لتجمعهم كما يتجمع الصوف، او للينهم كلين الصوفة، وقيل لخشوعهم كصوفة مطروحة(8).
  • وقيل لصفاء اسرارهم، ونقاء اثارهم(9).
  • وقال ابن قيم الجوزية: انه من الصوفانة، وهي بقلة رعناء قصيرة فنسب اليها لاجتزازهم بنبات الصحراء (10).
  • يرعي المستشرق (فون هامر) بأن كلمة التصوف وصوفية مأخوذة من كلمة (جيمنو سوفيا) ومعناها الحكماء العراة، وهو اسم اطلقة اليونان على الهنود العراة الذين كانوا يقضون حياتهم في السياحة متأملين من الله (11).

والذي يدفعنا تصريف قول من قال بان الصوفية منسوبة الى الصوف هو انها نسبة صرفية صحيحة: اي صوف: صوفي بينما النسب الاخرى لا تصرف.

صفة: صفي – صف: صفيّ – صفوانه: صوفاني

أما منشأ لفظة الصوفي:

اذا كان اصل كلمة التصوف هي (صوفه) وهؤلاء قوم في الجاهلية انقطعوا الى الله وقطنوا الكعبة، وهم منسوبون الى (غوث بن مرّ) نذرته امه لئن عاش بعد ان مات له اولاد – لتعلقن برأسه صوفة ولتجعلنه ربيط الكعبة، ففعلت بعد ان قدر له الحياة وقيل له صوفة:(1).

ويقال بأن الرسول (ص) كان يركب الحمار ويلبس الصوف، وكذلك روي عنه بقوله (ص) يوم كلمه الله موسى كان يلبس الصوف ويأكل من الشجر ويبيت حيث امسى(2)، ويروى عن الرسول (ص) انه قال: ((عليكم بلباس من الصوف تجدون حلاوة الايمان، وان النظر الى الصوف يورث التفكير، والتفكير يورث الحكمة والحكمة تجري في اجوافكم مثل الدم))(3)، هذه الادلة على اهمية الصوف وكذلك النسبة الصرفية الصحيحة تؤكد صحة نسبة الصوفية الى الصوف.

التصوف والادب:

((ما من اديب في تاريخ هذا الفن دخل حرم الابداع والخلود الاّ ومن شعره او نثره نفحة الصوفية، تلك النفحة تشبه النسمة التي تهب من فردوس بعيد خفي))(4)، وهذه النسمة تنقل بذور اللقاح الشعري الصوفي الى الاخرين من الشعراء لتطعيم اثارهم الشعرية باروع ما انتجه الشعراء الصوفية من ادبهم الراقي، ان الشعر الصوفي يقع تحت غرضين هما:

اولا: شعر المجاهدة الصوفية يتناول حالات التطهير، وهو يصطلح على تسمية بـ(الطريق الى الله) وهذا الضرب من الشعر قريب في صياغته من الاتجاه الحسي المباشر في الشعر العربي ولاسيما شعر الزهد يقول ابو اسحاق الخواص:

صبرت على بعض الاذى خوف كله ودافعت عن نفسي لنفسي فعزت

و جـــرعتهــا المكروه حتى تدربَّت ولـــو جرعتــه جملـــة لا شمأزَّت

الا رب ذل ســــاق للنفــس عــــزة ويـــــا رب نفــــس بالتعـــزز ذلَّت

ثانيا: الضرب الثاني هو ما ينتقل احوال الوجد والتجلي التي يستشعرها الصوفي في باطنه ازاء الله ويسمى هذا الشعر بـ(الرؤية الصوفية) ويدخل في صميم تجربة الصوفي، ويمثل معظم الشعر الصوفي، فانه ميال للتجريد وهذا ما يهمنا في الشعر الصوفي، لان التجليات التي تنكشف في ذات الصوفي هي دون شك لا تستطيع اللغة المألوفة الاخبار عنها بطرق الحقيقة لانها تجليات غيبية لا تقبل صياغة تصورية حرفية، وعليه فان التجربة الصوفية تجربة مجازية لا توصف الا وصفا مجازيا عن طريق الاشارة اليها بالرموز، وكذلك ان الحالة الوجدانية التي يرمي الصوفي الى نقلها شعرا هي ذاتها حافلة بالغموض بحيث لا تقوي العبارة على الافصاح عنها فيميل الصوفي الى استدعائها بطريق الرمز المجرد، اي ((معنى باطن مخزون تحت كلام ظاهر لا يظفر به الا اهله))ومن اجل ذلك نعتوا التصوف بانه علم الاشارة(5)، واهم ما يتميز به الشاعر الصوفي هو الحساسية الشديدة ورهافتها، فحواسه تغدو شبه معطلة نتيجة لا استغراقه الروحي وغيابه عن العالم المحسوس، وكثيرا ما تتجاوز هذه الحساسية الى حد الاضطراب والشطح وقد عبر حلاج عن قلعة المستمر والشديد بقوله(6)

طلبت المستقر بأي ارض فلم ارلي بأرض مستقرا(7)

والشطح كما عرفه الجرجاني في كتاب (التعريفات) هو ((كلمة عليها رائحة رعونة ودعوى، وهومن زلات المحققين، فأنه دعوى بحق يفصح بها العارف من غير اذن الهي بطريق يشعر بالنباهة))(8)

قال بعضهم:

اشار سري اليك حتى فنيت عني ودمت انت

محوث اســمي جسمي ســألت عني فقلــت انت (1)

وهذا نظر الشاعر الصوفي الى الاشياء بعين الوحدة بعد الدخول في (المحو) او (الجمع)، لابد من الاشارة الى ان هذه الوحدة تقوم على الاحساس وليس على النظر.

 

المبحث الثاني: الثيمات المشتركة بين المذهبين الرومانسي والصوفي

المطلب الاول: ثيمة العقل والخيال بين المذهبين.

العقل والخيال عند الرومانسيين: في وقت اعتمد الكلاسيكيون على العقل الواعي المسيطر على الغرائز، والعقل هو الذي يقنن ويعزز القواعد الفنية للأديب، والعقل عندهم مرادف لصدق الحكم والذوق السليم كما قال فولتير) انا لا اقدر الشعر الا عندما يكون زينة العقل) باعتبار ان العقل ثابت واحكامه متزنة ومستقرة وهادفة، هذه النظرة الكلاسيكية تماما بعكس مذهب الرومانسيين فكان (ديدرو) يعد العقلانية مفسدة للشعر، وفي حلم (داليمبير) 1769م يبدوانه يشير الى نظرية في الخيال هي بمثابة اشباه للأشياء الخفية، وهاك راي بان الشعر لاينبع من العقل بل من الروح والخيال، حتى ان هناك بعض الادراك لقوى الخيال المبدعة عند (بودمر) الذي يعده اكبر امكانية من جميع السحرة في العالم)(2) لقد رفع الرومانسيون من شان الخيال كوسيلة للنظر في دخيلة العالم وكقوة تحكم التاليف الشعري، وبالنسبة ل(كولردج): الخيال روح التشكيل، فالقصيدة تستقي الوحدة من الرؤيا الخيالية التي تشيع فيها، والخيال قوة فاعلة في جوهرها، فهي تطور كل ما تلمسه، قدم (تينس) تعبيرا عن المفهوم الذي شاع بعد الفترة الرومانسية حول افضلية الشاعر على غيرهم من البشر وحول افضلية الخيال على الانماط المبتذلة من الفكر(3) وبما ان الشاعر الرومانسي انطوى على ذاته طغى عليه شعور العاطفة فاطلق لنفسه العنان في احلامه ووجد في عالمه اشباعا لميوله، لهذا اصبح عالم خياله احب اليه من عالم الحقيقة، والخيال يجعل الرومانسي اما متفائلا واما متشائما، والخيال هو تلك القوة الحية التي يستطيع الانسان بواسطتها تبيان العالم الخارجي لان الخيال الرومانسي طموح، وهو يطمح الى عالم اسمى فيلجا الى الصور التي تهدي الى سعادته (4)، يقول شيلي: ((بان الشعر تعبير عن الخيال)) ويقول وردورث: ((الشعر من اعمال الخيال والعاطفة))(5)

اما الشعراء الرومانسيين العرب نجدهم يعيشون في احلامهم وخيالهم، وهذه من اعمق تجارب الشعراء الرومانتيكيين، من ابرز رواد هذه الحركة (جبران خليل جبران) الذي يقول:”انا غريب في هذا العالم انا غريب ؛ وفي الغربة وحدة قاسية ووحشة موجعة، وهذا ما جعله يتخيل في وطن وهمي سحري، والوطن الذي دعا اليه جبران هو الطبيعة بل الغاب الذي غالبا ما تغنى به الرومانسيون، وبثوا فيها احلامهم وهواجسهم كقول جبران:

ليس في الغابات موت **** لا ولا فيـــها القــبور

فـــاذا نـــيســـان ولـى **** لم يمت معها السُرور

ان هول الموت وهـم **** ينثــني طي الــصدور

فـالذي عـاش ربــيعا **** كالـذي عـاش الدهـور (6)

وهذا نشيد الكون لـ(اديب مظهر) الذي يتمنى ان يعود الى ماضي الصبا مصورا حياته في اطار الخيال والاحلام بقوله:

اعــد على نـفسي نـشيـد الكـون **** حـلـــو كـمـــر الــنسـم الاســود

واســتـبـدل الانـات بــالادمـــع **** واسمع عزيف الياس في اضلعي

واسـتـبقـني فـاللـه يا مـنـشــدي

فــالـيـل سـكــران وانـفـاســه **** تــلـفـح اجــفـانـي والــحـانــي

تـنـساب حـولـي زفـرة زفـرة **** حـــامــلـة اكـــفـــان ايـــامــي

بــالـلــه هــلا نــغــم قـــاتـــم **** عــلـى بــقــايـا ألوتر الــدامــي (1)

الصوفي بين عقله وخياله

يذكر ابو طالب المكي:” من بين المحجوبين عن فهم القران من نظر الى قول مفسر يسكن الى علم الظاهر او يرجع الى عقله او يقضي بمذاهب اهل العربية في باطن الخطاب” يستمر بقوله: “هؤلاء كلهم محجوبون بعقولهم وهؤلاء مشركون بعقولهم وعلومهم عند الموحدين، وداخل في الشرك الخفي” ويعتقد المكي: ان معاني القران تنكشف لكل صوفي بحسب استعداده الروحي، والحقيقة ان لكل صوفي عالم روحي قائم بذاته وهذا الروح حين تستولي تجليات الحبيب على القلب الصوفي، ويصبح حضور الحبيب ماحيا لشعوره بذاته، وان السكر الذي هو النشوة العارمة التي تفيض بها نفس الصوفي وهذا السكر ثمرة المحبة (2).

ان للصوفية نشاطا روحيا، وهذا النشاط ليس من اضرب النشاط العقلي ويبدا هذا الوعي الروحي عندما تستيقظ فيه النفس وعندما تخرج عن مألوف عادتها، اي عندما يتحول مركز الشعور من المراتب الدنيا الى المراتب العليا، وخروج الصوفي الى العالم الروحي الذي يتحكم فيه وعيه السامي يسمى ميلادا روحيا (3).

اذا تأملنا في هذه القطعة الشعرية لابن عربي لوجدنا مدى سعة خياله عندما يميز عاشق عشقه مجازي واخر عشقه حقيقي، يقول ابن عربي:

ما لمجنون عـــامر في هـــواه **** غير شكوى البعاد والاغتراب

وانــا ضـده فــان حبـيـبـي **** في فؤادي فلم ازل في اقتراب

فحبيبي مني وفي وعندي **** فــلمـاذا اقــول مـالـي ومـا بي

يقول ابن عربي بخياله الرحب مميزا بين الحبين الحقيقي والحب المادي المجازي

يقول ان حب مجنون لليلى كان عارضا ذائلا، لان تعلق قلبه بها كان لغاية مادية عارضة ولم يكن حبا حقيقيا وانما كان حبا مجازيا، لذلك ان آلام هذا الحب تصيب اعضاء البدن وتهذل الجسم، يقول اما حبي فانه حب حقيقي، ومحبوبي قريب مني قربا شديدا، وانا دائما احس بوجوده في قلبي وآنسه بين اضلاعي بل هو اقرب الي من حبل الوريد، وانا ابصره وارى نوره، لذلك لا اشكو شكوى مجنون (4).

لقد سخر الصوفية من حجة العقلانيين في معرفة الله القديم الخالق عن طريق المحدث المخلوق، لذلك استخف الصوفية الاشتغال بالعلوم العقلية لأنها لا تغني في معرفة الله يقول الشبلي: ” كتبت الحديث والفقه ثلاثين سنة حتى اسفر الصبح، فجئت الى كل من كتب عنه فقلت: اريد فقه الله تعالى، فلا علمني احد ” فالعقل عند الصوفية عاجز عن معرفة السر الالهي وغير قادر على ادراكه لأنه لا يحصل ذلك الا بعون منه ان الدليل على الله هو الله وحده، وسبيل العقل عندهم سبيل العاقل في حاجته الى الدليل لأنه محدث، والمحدث لا يدل الا على مثله قال رجل (للنوري) ما الدليل على الله ؟ قال الله قال فما العقل ؟ قال: العقل عاجز والعاجز لا يدل الا على العاجز مثله (5) يقول الحلاج:

من رامه بالعقل مسترشدا **** اسرحه في حيرة يلهو

قد شاب بالتلبيس اسراره **** يقول في حيرته هل هو(1)

من اجله اغفل الصوفية امر العقل الذي اخذ به المتكلمون والفلاسفة والمناطقة واعتمد على الحدث والالهام وهذه العناصر تدخل دائرة الخيال، وهم يسخرون من العقول التي ادرك بها الفقهاء الكلام والمتكلمون بها البرهان والفلاسفة بها التعريفات(2).

يقول ابو الحسين النوري ” الناس تائهون عن الحق بالعقل “، قال ابن عربي:

العقـــل افقـر خلـق الله فاعتبروا **** فانه خلف باب الفكر مطروح

ان العقول قيود ان وثقت بها **** خسرت فافهم فقولي فيه تلويح(3)

المطلب الثاني: التأمل بين المذهبين

التأمل الرومانسي:

يعد التأمل من ابرز خصائص الحركة الرومانسية، وربما لفلستهم الذاتية اثر بعيد في نظرتهم التأملية الى الحياة، وهذه النظرة تتفق مع نظرتهم الى الطبيعة التي هي نظرة تأملية خالصة، يفضون من خلالها بما في نفوسهم من احاسيس ومشاعر، ان الطبيعة تستحق هذه النظرة التأملية بما فيها من مظاهر مختلفة ومتنوعة وبما فيها من اسرار وخفايا يستعصي الانسان ان يتحقق في كنه تلك الخفايا، وان طالت تأملات الانسان فيها مدى الحياة، وقد دعاهم هذا التأمل الى تحقيق مواقف عميقة ازاء الكون وقوانينه الطبيعية ونواميسها وانتهى ذلك بهم الى التأمل فيما وراء الطبيعة، وما وراء الحياة حتى طال البحث والتأمل الى مصير الانسان بعد الموت وما يحصل له، اودى بهم هذا التعمق في التأمل عن الحياة والموت والكون الى نظرة تشاؤمية لانهم لم يحصلوا على جواب مقنع لتلك التساؤلات، وعجزهم عن ذلك دفع ببعضهم الى طلب الموت والانتحار، فالأدب الرومانتيكي لا يخلو من ذكر القبور والحياة والموت(4)، ان التأمل عند الرومانسية نقلة وتحول فكري، فبعد ان كان الشعر الفلسفي موضوعيا اصبح مع الرومانسية ذاتيا يتناول الحياة والموت ومصير الانسان وجهاده ضد قوى الشر وسمو النفس في جوهرها(5)، ان الرومانسي احيانا فضل الموت على الحياة، وهكذا كان نهج (الشابي) في ذلك عندما يتمنى ان ينقضي ايام حياته، وهو يستقبل الموت برحابة صدره، ويقول:

لــو كــانـت الايـام فـي قـبـضتي **** اذريــتــها لــلريـح مـثـل الـرمال

فقد الشاعر ايمانه بالحياة وفائدتها، يوم يأتي ويوم يذهب ولكن الشقاء يلازمه فلا سبيل الى الخلاص، الخلاص من صراعه المستديم مع الحياة في وقت هو المخزول والمهزوم في النهاية، يتعرض الشاعر (احمد ابو شادي) لمظاهر الطبيعة منها المساء ويتأمل فيها ويمنحها الحياة والحركة والحيوية، وهو كأي شاعر رومانسي يعتقد بان لمظاهر الطبيعة دلالتها وانها مثار آلامهم واحزانهم واحلامهم وتجاربهم العاثرة في الحب، فهي كالإنسان تخفق وتتألم وتخاف وتحب وتأمل، يخاطب ابو شادي المساء في احدى قصائده قائلا:

ما بال هذي الشمس ترسل وجدها **** فوق اللهيب على المياه حيالي

ما بال هذا الــموج يخــفــق هـكـذا **** خــفـق الحيـاة تـوثـبـت لـزوال

ما بال هـــذا الحس يــبعث شوقــه **** فـوق الرمال الى نهـى” ورمـال

مــا بــال هـذا الجـو اشبع روحـــــه **** بــالخـــــــوف والالام والامــــال

كان ابو شادي يلجأ الى مخاطبة الطبيعة كلما ضاق من ظلم الناس وضجيج الحياة فيبثها حزنه وقلقه، فكانت ملجاً يلجؤ اليها لتحميه من كل ضيق يصيبه(6).

التأمل عند الصوفية:

ان التأمل الصوفي هو قوام المكاشفات والفتوحات الالاهية، فالتأمل الصوفي ينحصر في عظمة الخالق وتركيز شعوره في هذا الموضوع، والتأمل اساس الفناء الصوفي، فيتعطل احساسه عن كل موجود بتأمله هذا حتى ينمحي ادراكه بان هناك تأمل لانه اذا ادرك انه يتأمل اغفل موضوع تأمله كمن يعمل في صناعة شيىْ فاذا ركز فكره على نظرية صنعته يفقد تركيزه عن عمل الصنعة، ان ثمار التأمل الصوفي هي الفناء الصوفي، والفناء عند الامام القشيري ينقسم الى ثلاث مراحل…في الاولى يفنى الصوفي عن نفسه وصفاته ببقائه في صفات ربه، والثانية فناء الصوفي عن صفات ربه ببقائه في ربه، والثالثة فناؤه عن فنائه: اي عدم ادراكه بانه فان في الله عز وجل، والفناء على قصرها مليئة بالادراكات والكشوف غنية بالمعلومات التي لا تدرك في الاحوال الاعتيادية، واللغة الاعتيادية المألوفة عاجزة في التعبير عن وصف هذه الحالات الدقيقة، ومن هنا ان الصوفي بتأمله يدرك من الحقائق ويكشف من الاسرار الالهية ما لا يستطيع ان يدركه او يكشفه بعقله او حواسه وفي حالته الاعتيادية يقول الحلاج عن الفناء الحاصل من تأمله(1):

اشــار ســري اليــك حـتى **** فـنيــت عنــى ودمــت انـت

محوت اسمي ورسم جسمي **** سالـت عــنـي فــقلـت انــت

فــانــت تسـلـو خيـال عيـني **** فــحيـثـمـا درت كنــت انـت (2)

ويوصي (ابن عربي) ان يتدبر المفكر اللبيب ويتأمل ليس بحثا عن الله في الاكوان البعيدة او القريبة لأنه لا طائل في ذلك، وهو يقول: ((اذا اجهدنا انفسنا وافنينا اجسادنا في هذا التأمل فاننا سنشقى)) ويتسائل ابن عربي لماذا هذا الشقاء في البحث عن الاكوان ؟، والانسان بذاته هو كون صغير من هذه الاكوان، وبهذا يطلب ابن عربي ان يركز تأمله عن ذاته قبل أي شيء آخر بما فيه من اسرار وخفايا لا يعلمها الا الله، وان الانسان نموذج للمبدعات كلها والموجودات باسرها(3).

صور ابن الفارض وحدة الوجود متأملا في مظاهر الطبيعة ومتأملا فيها وفي اشكالها المتقابلة، وهو يتأمل في هذه العناصر المتضادة والمتقابلة من طيور ونياق وسفن واسماك وضوار، وكل هذه العناصر في صراع من اجل الحياة ويتأمل في تناحر هذه العناصر وكيف ان لكل عنصر ارادة وموقف تجاه الاخريات من المظاهر، يقول ابن الفارض في يائيته الكبرى…

ترى الطير في الا غصان يطرب سجعها **** بــتــغريــد الحـان لـديـك سجـيـة

وتــعـجــب مـن اصــواتـها بــلغــاتــــــها **** وقـد اغربت عن السن اعــجمـيــة

وفـي البــر تسـري العــيس تـخترق الفلا **** وفي البحر تجري الفلك في وسط لجة

وتــنــظر للــجــيشــيـن فـي الــبـر مـرة **** وفي البحر اخرى في جموع كثيرة

الـى نـهـايـة القصيدة

يتبين لنا ان ابن الفارض في هذه القصيدة بعدما استقرت عليه العرفانية يتأمل ويتضايق بين الوحدة والكثرة معتقدا ان الطبيعة في تكثر مظاهرها وتقابل اعيانها وصيرورتها وحركتها، ليست الا انكماشا للالوهية، ومتى اعتبر العارف هذه المظاهر المتقابلة في الزمن الفرد تجلت له الوحدة الوجودية ماثلة في وحدة الفاعل (4).

 

المطلب الثالث: ثيمة الخطاب المشترك في لغة الرمز

الرومانسية ولغة الرمز: الرمز معناه الايحاء والتعبير الغير المباشر عن النواحي النفسية المستترة التي لا تقوي اللغة على ادائها في دلالاتها الوضعية، لانه كما يقال بان المؤلف الفني الحق يجب ان يخفي وراء مضمونه المحدد شيئا اعمق بكثير، تقوم النظرات الرمزية فلسفييا على تعاليم (كانت) المتعلقة بعالم المظاهر وعالم الماهيات الخفية ونظريات (شوبنهور) و(نيتشة) الغيبية، كانت هذه النظرات تشير الى ان عالمنا الواقعي ما هو الا انعكاس للعالم الغيبي الخفي الذي لا يمكن بلوغه عن طريق العقل بل بصورة تقريبية عن طريق الرمز الذي يصوغه حدس الفنان(1) لقد كانت من بين المشكلات التي عانت منها الرومانسيون هي كيفية جعل المثالي واقعيا في اعمالهم وكيفية التعبير عن الداخلي والمجرد بالخارجي والملموس، لقد قدم (شليكل) حلا لهذه المشكلة عندما قال: ان الفائق عن الواقعي يمكن ان يغدو واضحا بطريقة رمزية حسب، في الصور والرموز، وهكذا اتخذت الصور الرمزية دورا حيويا مركزيا في الشعر الرومانسي بوصفها وسائل خارجية مرئية للادراك الداخلي الرؤوي، او بعبارة (كولدرج) المستخرجات الحية من الخيال(2) في الرمزية يتضح تراث الرومانسية في المفهوم الما وراء الطبيعي عن العالم الذي يوجد فيه الشاعر وخلاله، في العشق المثالي للجمال، في المعتقد الصوفي بعالم متسام خلف الظواهر، وفي محاولات ايصال مدركات الشاعر على هيئة رموز، في الرموز كما في النظرة تعد الرمزية تطويرا للرومانسية(3)، ان شعراء الرومانسية يهتمون بالرمز اهتماما لا حد له، ويقولون: ان افضل الشعر ما كان بلغة الرمز وشعره مفعم بالمجاز وتتكرر الرموز كثيرا، وهناك تناسقا مناسبا بين الآراء الرومانسية المتعلقة بالطبيعة والخيال والرموز، ولذلك نجد نزعة التحرر الوجداني والفرار من الواقع والتخلص من الاصول التقليدية للشعر في الادب الرومانسي(4).

تعد نازك الملائكة رائدة هذا الاتجاه الرمزي حيث ترد هذا المنحى في التعبير عن تجاربها العاطفية في مرحلتها الرومانتيكية الجادة، وكان وسيلتها للإفصاح عنها افصاحا فنيا بهذا النوع من الرمز الذي جاء (افعوانا) مرة وسمكة مرة ثانية و(زائرا غريبا) حينا اخر وبرموز اخرى، ومن ذلك قولها ترمز بالأفعوان الذي يخيفها ويلاحقها ويقتفي خطواتها اينما ذهبت، تقول نازك الملائكة (6):

وراء الضباب الشفيف

ذلك الافعوان الفضيع

ذلك الغول، اي انعتاق

من ظلال يديه على جبهتي الباردة

اين انجو واهدابه الحاقدة

في طريقي….تصب غدا ميتا لايطاق

 

الرمز عند الصوفية: يستعمل الصوفي الرمز في ادبه ولاسيما في الحب الالاهي للتعبير عن شعورهم الطاغي، في هذا المجال بما للرمزية الاثر البالغ في نفس المتلقي دون لغة التصريح، لان الرمز تمس الضمير والوجدان وبذلك تمس القلب مباشرة، ويترك اعمق الاثر، ان لغة الرمز عند الصوفية لغة عالمية يستعملها جميع الصوفية على اختلاف اديانهم واوطانهم، لانهم جميعا ينتمون الى لغة الروح، ويستطيع الصوفي ان ينقل تأثير لغة الرمز الى غيرهم من الصوفية الذين لا يعيشون تجربة الحياة الروحية، بل ويهتز بها احاسيسهم ومشاعرهم اشد الاهتزاز بتلك الرموز والاشارات الصوفية، وهذا دليل على ان بذرة الصوفية كامنة في ضمير كل انسان وفي قرارة نفسه، وهذه البذرة تنمو عند البعض دون الآخر(7) ان ميل الصوفي الى ظاهرة التجريد بسبب ان التجليات التي تنكشف في ذات الصوفي تستعصي للغة المألوفة التعبير عنها، لأنها تجليات غيبية لا تقبل صياغة تصورية حرفية ولا تقدر الادلة العقلية على اثباتها او دحضها، وعليه فان التجربة الروحية عند الصوفية هي تجربة مجازية لا توصف الا باللغة المجازية او بالوصف المجازي عن طريق الاشارة اليها بالرموز يقول (احمد امين): “ان الادب الصوفي ادب الرموز” ويقول (الكلابادي) “اصطلحت هذه الطائفة على الفاظ في علومها تعارفوها بينهم ورمزوا بها لا يكاد يستعملها غيرهم “ومن اجل ذلك نعتوا التصوف بانه علم الاشارة، يقول (الروزبادي): “علمنا هذا اشارة فاذا صار عبارة خفي(1)، وهناك سبب اخر لاتباع الصوفية لغة الرمز وهو ان بعض النزعات الصوفية تخالف ظاهر الشريعة فخوفا من ملاحقتهم من قبل الفقهاء واتهامهم بالتمرد على الاسلام استخدموا لغة الرمز(2)، يعتقد الصوفية ان استخدام لغة الرمز لان اللغة المألوفة غير قادرة على التعبير عن معاناتهم الروحية ولانها سر بينهم وبين الله لا يرمون ان يطلع عليها غيرهم لانهم غير جديرين بذلك، يقول (ابن عربي) في قصيدته الغزلية التي تدور حول (النظام) العذراء بوصفها رمزا على الحكمة الالاهية، تجيش في القصيدة الصورة الموحية التي وصف بها جمال الجوهر الانثوي ورمزيته على تجلي العلو، امتزجت الطبيعة في القصيدة بالأنثى وما تحفل من رياض وحمائم وغزلان وطلول دارسة، (يقول ابن عربي):

مرضي من مريــضة الاجفـان **** عـــلــلانـي بـذكـرها علـلاني

هفـت الورق بالرياض وناحت **** شجو هذا الحمام مما شجاني

بــابـي طــفــلة لعــوب تهادى **** من بنات الخدور بين الغواني

طلعت في العيان شمسا فـلما **** افــلت اشرقــت بافــق جنــاني

يا طــلـولا بــرامـة دارسات **** كـم رات من كـواعـب وحسان

بـابـي ثم بـي غـزال ربيب **** يرتعي بـيـن اضلعي فـي امان

ما عليه من نارها فهو نور **** هـكـذا الـنـور مخمد النـيــران (3)

الى نهاية القصيدة

هذه القصيدة بما فيها من الجمال الانثوي ينحل الى رمز شعري على علم عرفاني وحكمة الهية كما يؤول الى الكشف عن حقيقة الحب الصوفي، وللتاكيد على مقصدية التغزل بالنظام بعد ان لاموه قال ابن عربي:

فــاصرف الخــاطـر عن ظاهـرها **** واطـلـب البــاطـن حتـى تـعــلما (4)

والخمرة في الادب الصوفي رمز يومي بها شعراء الصوفية الى الحب الالهي، يسبب لهم سكرا روحيا، يقول ابن الفارض:

شـــــربنــا علــى ذكــر الحبيب مدامة **** ســــكرنا قبــــل ان يـخـلق الكــــرم

لها البدر كاس وهي شمس يديــرها **** هــلال وكـم يبـدو اذا مزجـت نـجم

ولـولا شـــذاهـا مـا اهــتديـت لــحانــها **** ولــولا سـناهـا ما تـصورها الـوهـم (5)

 

المطلب الرابع: ثيمة تغليب العاطفة على المذهبين

العاطفة: انفعالات وجدانية سواء كانت هذه الانفعالات روحية ام غريزية ام خلقية او طمعا لإشباع حاجة نفسية، فكل شيء يثير ويقع بين الفرح والحزن فهو العاطفة، وتقاس العاطفة في اي نص بمقدار قدرته على اثارة احاسيس المتلقي وادامتها لأطول مدة ممكنة (6)

العاطفة الرومانسية: الرومانسيون يستسلمون للعاطفة والشعور، والقلب عندهم موطن الشعور ومنبع الالهام، وهو الامارة التي تهدي الى الامان، يؤمن الرومانسية بالعاطفة ويستسلمون لسلطاتها، لأنها طريقة الحق التي لا ينتابها الشك لان منبعها الضمير، وانها تثور على قيود المجتمع التي تقف حجر عثرة امام تحقيق الامنيات، ينصح الشاعر الرومانسي الفرنسي (الفريد دي موسية) صديقا له بقوله:” اقرع باب القلب ففيه وحدة العبقرية وفيه الرحمة والعذاب والحب” مما دفع الرومانسيون ان تسيطر العاطفة على ابطال قصصهم ومسرحياتهم، وهم يستسلمون لها وان قادتهم ذلك الى الموت(1)، الرومانسيون يعدون العاطفة ملاذا، في وقت عدها الكلاسيكيون ضعفا واستسلاما(2) الشعراء الرومانسيون يعتمدون غالبا على العاطفة، بما لها من دور فعال في التعبير عن الاشياء وفي تصوير الافكار، تتحدد موضوعات الشعر الرومانسي لما يتصل بالعواطف الفردية لموضوع الحب والمشاعر الدينية ذات الطابع الفلسفي والصوفي، وكثيرا ما يتجاوز الرومانسي حدود العاطفة الفردية الى مسائل اجتماعية عامة او فلسفية، ومن سمات الرومانسية العناية التامة بعنصر الموسيقى في الشعر والسبب في ذلك الصلة الحميمة بين الموسيقى والعاطفة، ومن هنا تعددت الاوزان الشعرية التي تجاري النغمات العاطفية في حالاتها المختلفة، ومن الملاحظ استخدام الصفات كثيرا لما فيها من تلائم تام مع المزاج الرومانسي العاطفي، الرومانسي غريب في عصره بشعوره واحساسه وكذلك عصبي المزاج وقلبه عامر بعواطف انسانية(3)، لقد تعمق الرومانسيون في معاني العاطفة النبيلة، وجعلوا منها وسيلة لتطهير النفوس، وجعلوا من الحب العفيف يسمو وينمو على المحسوس ويتجرد من الهوى المادي، ويتجاوز الحب عندهم الى المعاني الانسانية، وربما تجاوز الى حالة الجذب(4).

تعتقد الرومانسية بان العقل ليس الا عبدا للعاطفة، والعاطفة تزيح العقل وهي اعلى منزلة في الحكم الصائب من عقل هادى(5).

يقول (الشابي): في قصيدته (الذكرى) مخلدا لوعته في حبه الضائع بعد ان ماتت محبوبته.

كنـا كــزوجي طائـر فــي دوحة الحب الامــين

نــتـلو انـاشيـد المــنى بـيـن الخمائل والغصون

مـتغردين مع البلابل في السهول وفي الحزون

مــلا الهــوى كاس الحياة لنا وشعشها الفتــون

حتـى اذا كدنـا نرشف خمـرها غـضب المنون

فـتخطف الكـاس الخـلوب وحطم الجام الـثمين

واراق خـمر الـحب في وادي الكآبـة والانـين

واهـاب بـالـحب الوديـع فودع العـيش الامـين

وشدا بلحن الموت في الافق الحزين المستكين (6)

العاطفة الصوفية: ان الصوفي في تجاربه الروحية يعتمد على العاطفة، ان للعاطافة عند الصوفية منطقها الذي قد ينتهي بالخاضع لها الى نتائج لها طرافتها وجدتها(7)، القلب المعنوي مركز دائرة العلم الصوفي ولب السلوك، وهو في الاعتبار الادبي والعاطفي والوجداني ملهم الاحاسيس الادبية والاذواق العشقية، والقلب عند الصوفية هو المعنى المجازي الذي هو مركز الاحساس العاطفي والوجداني والانساني، ولهذا ركز الصوفية دائما على الجانب الباطني المقصور على القلب وحسب(1) ونستطيع ان نستشف الجانب العاطفي لمذهب الحب عند ابن عربي، وقد بدا به بالحب الانساني ثم ما لبست هذه الناحية العاطفية الانسانية الى حالة صوفية الآهية، موضوع الحب فيها هو ذات العلية والعبارات الغزلية او الخمرية ادوات انسانية للتعبير عن العاطفة الانسانية التي تسامت بصاحبها الى ان جعلها عاطفة الهية، والمحبوبة فيها هي ذات الالهية، يقول ابن عربي:

اني عجبت لصب من محاســـنه **** تـختـال ما بيـن ازهار وبـستـان

فقلت لا تعجبي ممن ترين فقد **** ابصرت نفسك في مرآة انسان

المتكلم في البيت الاول هو الذات الالهي، ان الحضرة الالهية، ان الحضرة الالهية قد عجبت للصب المائل اليها بالمحبة، والازدهار كناية عن الخلق، والبستان كناية عن مقام الجمع وهو ذاته، والصب يرد المعشوق قائلا: بانك ترين نفسك لاغيرك، وهذا في عين الجمع، يقول ابن عربي “سبحان الذي اظهر الاشياء وهو عينه(2) ولذلك لا ضير اذا قلنا بان العاطفة الدينية الاسلامية في صفائها وحرارتها نجدها عند الصوفية، بل لولا الصوفية لكان الاسلام خاليا من الروحانية العميقة ومن العاطفة في نظرهم، ان الروحانية الحقيقية التي كانت لها اثر فعال في تنمية العاطفة الدينية، قد ترعرعت في ظل النظام الشامخ الذي اقامه الصوفية (3)

ان العاطفة تلعب دورا خطيرا في التجربة الصوفية، والى عنصر العاطفة ترجع مظاهر الشمول والاستغراق والفناء، وما الى ذلك من الصفات التي تتمثل في وحدة الطالب والمطلوب: او او المحب والمحبوب، فالتصوف كالفن لاوجود له بدون العاطفة الجامحة (4)، ان الشعر الصوفي منبعه العاطفة، يقول حلاج:

انا من اهوى ومن اهوى انا **** نحن روحان حللنا بدنا(5)

ويقول:

مزجت روحك في روحي كما **** تمزج الخمرة في الماء الزلال

فــــاذا مــسك شـيـىْ مسنـي **** فــاذا انــت انا فــي كــل حال(6)

يقول ابن الفارض:

نسخت بحبي آية العشق من قبلي **** فاهل الهوى جندي وحكمي على الكل

وكـل فتــىً يهــوى فــانـي امـامه **** وانـي بــريىْ مـن فتــىً سامــع العزل(7)

نجد في الابيات الشعرية العرفانية ان العاطفة الجياشة قد فاقت كل طاقة عقلية للإنسان.

 

المطلب الخامس: ثيمة الحب وحقوق القلب

تؤمن الرومانسية بحقوق القلب، لذلك ان الحب عند الرومانسيين المثل الاعلى ولكنهم اخفقوا في الظفر بهذا التصور، لان الحب المثالي لا يتحقق الا في عالم (اليوتوبيا) كما اسمته (نازك الملائكة) وغيرها، ان الحب الذي تدعوه الرومانسية اقرب الى الخيال منه الى الحقيقة، وقد تحول الحب الذي تدعو اليه الرومانسية الى الاحساس بالهزيمة، وعبروا عنه بالملل والحرمان والخوف والهزيمة واللهف والاستسلام، مثلا الحب عند ابي القاسم الشابي حالة من حالات التجلي الصوفي والروحي، وعالم حبه عالم سحري يرتفع الى عالم الخيال، ان الحب الرومانسي مثالي صعب المنال لانهم لا يريدون تحقيقه على ارض الواقع بل يريدون تنزيهه من كل الشهوات المادية والجسدية، فهو يسمو على الابتذال(1).

الحب اكثر المجالات التي تصدى له الرومانسيون وعدوه فضيلة من الفضائل، وكل حب غير مبني على الصدق والاخلاص فهو باطل في نظرهم، وقد اشاد الرومانسيون بحب المرأة وخضعوا لسلطانه، وهناك نوع آخر من الحب عندهم وهو حب الانسان للإنسان وهذا اساس كل مجتمع صالح، وعد الرومانسيون الحب بانه صفة من صفات الله، وهذه الصفة تجذب المخلوق نحو الخالق، يقول (هوكو): “الله نور ليس له سوى اسم هو الحب، واذا خلا الكون منه انطفأت الشمس(2)، لقد تفلسف الرومانسيون في الحب وتعمقوا فيه، وعدوه وسيلة تطهير النفوس، وفي تعبيرهم عن الحب العفيف جعلوه يعلو على كل محسوس، ويتجرد من الهوى المادي، وتجاوز الحب عندهم من المعاني الانسانية الى حالة جذب(3)، لقد كانت تجربة الحب عند الشاعر ابراهيم ناجي من اخصب التجارب الرومانتيكية العاثرة قال (محمد مندور) عن شعره وهو صاحب دواوين اربعة قال: “ان شعر ناجي كله قصيدة واحدة هي قصيدة حب “وحب ناجي نافذة يطل منها على العالم المثالي ويكشف بها مواقفه الصادقة في الحب وعلاقاته الانسانية ومبادئه المثالية، ويرسم به صورة للحب الذي وصفه بقوله:

ذلــك الحـب الـذي عـلمـني **** ان احب الناس والدنيا جميعا

ذلــك الحـب الذي صورمن **** مجـدب الـقفــر لـعيــني لربيعا

انه بصرني كيــف الــورى **** هدفوا من قدسه الحسن البديعا

وجلا لي الكون في اعماقه **** اعــينا تـبــكي دماءً لا دمــوعا (4)

ويفرد ابو شادي ديوانا كاملا هو ديوان (زينب) يجسد فيه تجربته العاثرة في الحب مع فتاة احلامه، ويطفح شعر الحب بوجدانية رقيقة عكست حبه الظامئ الى لقائها ويقول:

امـانـا ايـهـا الـحـــب **** سلامــا ايـها الآسـي

اتـيـت الـيـك مشتـفيـا **** فرارا من اذى الناس

اطلِـيِ يـا حيــاة الرو **** ح في عينيي تحييني

شرابي منك اضواءٌ **** وقـوتـي ان تـنـاجـيني (5)

عن الحب الصوفي: يعد الحب الحجر الزاوية في الرؤية الصوفية وعليه تأسست نظريتهم في المعرفة، بل في الوجود كله، والحب هو الذي اخرج الكون من العدم لقد جاء في الحديث القدسي “كنت كنزا مخفيا فأحببت ان اعرف فخلقت الخلق فبي عرفوني(6) لقد كلمة الحب في مواضع كثيرة من القرآن الكريم لتدل على عاطفة حانية من الله نحو عبده واخرى صاعدة من العبد نحو ربه(7) يقول سمنون المحب:

جرى فييَ الهوى مذ كنت طفلا **** فما لي قد كبرت عن التصابي

ويجعل الشبلي الحب الحياة، كما ان الماء سر حياة العودة.

اما جنيد فشبه الحب بالنار حين يقول:

يا موقد النار في قلبي بقدرته **** لو شئت اطفأت في قلبي بك النارا(8)

“المحبة عند الصوفية هي الميل الدائم بالقلب الهائم، ويرى آخرون بان المحبة هي ايثار المحبوب على كل مصحوب اوهي محو المحب بصفاته واثبات المحبوب بذاته ” فحوى هذه التعريفات وما ينطوي عليه المحبة انها الميل الدائم من المعنى النفسي، قال المحاسبي “المحبة ميلك الى الشيء بكليتك، ثم ايثارك له على نفسك وروحك ومالك، ثم موافقتك له سرا وجهرا، ثم علمك ينقص ذلك في حبه “ويقول ابن عطاء “المحبة اغصان تغرس في القلب، فتثمر على قدر القبول(1)

وفي ذلك ينشد ابن عطاء بقوله

غرست لأهل الب غصنا من الهوى **** ولم يك يدري ما الهوى احد قبلي

فأورق اغــصانــا وايـنــع صبــوة **** واعقـب لي مرا من الثـمر المحلـى

وكـل جميــع العــاشقــيــن هواهـم **** اذا نسبــوه كـان مـن ذلـك الاصل (2)

الحب الصوفي غاية بعينه لا لشيء الا لذات الحب، الحب ليس وسيلة يجني المحب ثماره من تحقيق غاية مادية او اشباع حاجة شهوية تقول رابعة العدوية:

كلـــهم يعــبدون مــن خوف نار **** ويرون النجاة حظا جزيلا

ليس لي في الجنان والنار رايٌ **** انما لا ابتـغي بحبي بــديلا(3)

والقلب عند الصوفية هو اداة هذا الحب الناشىْ عن المعرفة، والقلب يختلف عندهم عن سائر الحواس بصفتها تدرك المعاني التي ليست متخيلة ولا محسوسة(4).

نتائج البحث

اهم النتائج التي توصل اليها الباحث:

1* ظهرت الرومانسية كرد فعل مقابل مبادىْ الكلاسيكية التي اورثت نوعا من الملل في اجواء الادب واثمرت كراهية لدى معظم المتابعين ولاسيما باعتماد الكلاسيكية الصارم على العقل الذى الغى بقوة العاطفة الانسانية بكل مظاهرها وتبعاتها وتأثيرها على الحياة.

2* ان الاجواء التي ظهرت فيها الرومانسية شبيهة تماما بالأجواء التي نشأت فيها الصوفية التي اورثت الادب العرفاني من حيث تمسك اهل الشريعة بالرسوم والطقوس الدينية الصارمة التي خلقت جوا من الجمود والملل وحتى الانحراف بين المسلمين مما ادى ذلك الى ظهور حركة التصوف التي اعتمدت على الروحانية والعواطف الانسانية اكثر من اعتمادها على العقل بل الغوا العقل الى درجة يقول احدهم: “ان الناس تائهون عن الحق بالعقل”، ومن ثمار الصوفية اروع ادب عرفاني.

3* يلتقي الادبان الرومانسي والعرفاني في مبادىْ متعددة اشرنا اليها في هذا البحث، منها الحب وحقوق القلب، تفضيل الخيال على العقل، تغليب العاطفة، والخطاب المشترك في لغة الرمز، وقوة التأمل.

4 *وقد ايدنا مصداقيتنا فيما ذهبنا اليه بتقديم نمازج شعرية لكل ثيمة من الثيمات المشتركة بين الحركين الرومانسية والعرفانية.

5 * فضلا عن المحاور او الثيمات المشتركة المذكورة مع شواهد شعرية، هناك محاور اخرى يشترك فيها الادبان مثل الهروب من الواقع واللجوء الى الطبيعة، والشعور باليأس والحرمان، ومحاولة كل منهما. تغيير الواقع، ولكننا لم نتناولها بالتفصيل خوفا من الاستطراد،

6 *لقد ترك شعراء الحركتين اروع النماذج الشعرية سيبقى ابد الدهر خالدا يفتخر بها الأجيال اللاحقة يفتخرون بها وبما تركها لهم اسلافهم من الاثار الادبية

 

مصادر ومراجع البحث:

1* ترجمان الاشواق، شيخ محي الدين بن عربي، دار صادر للطباعة والنشر، بيروت، 1961

2* التصوف الاسلامي في الادب والاخلاق، ج1، د. زكي مبارك، المطبعة المصرية، ت بلا

3* التصوف الثورة الروحية في الاسلام، ابو العلا عفيفي، مطبعة دار الشعب، بيروت، ت بلا

4* التصوف، ماسنيون، ت: مصطفى عبد الرزاق، دار المكتبة، لبنان، 1984

5* الحب الالهي في التصوف الاسلامي، ط2، دار الكتاب العربي، بيروت، 1973

6* الخلاصة في مذاهب الادب الغربي، علي جواد الطاهر، منشورات دار الجاحظ، بغدد، 1983م

7* دائرة المعارف الاسلامية، المكان، بلا، التاريخ، بلا

8* ديوان الحلاج، ط2، كامل مصطفى الشيبي، مطبعة آفاق عربية، بغداد، 1984م

9* ديوان ابن الفارض، منشورات مطبعة القاهرة، مطبعة محمد العاطف، القاهرة، 1956م

10* الرمز الشعري عند الصوفية، عاطف جودة نصر، دار الاندلس للطباعة، بيروت، 1978م

11* سفينة الراغب، محمد المدعو بالراغب، مطبعة العامرية، بولاق، القاهرة، 1255هجري

12* شرح جمع الجوامع، ج2، شمس الدين محمد بن احمد المحلى، مطبعة الوقائع المصرية، 1297 هجري

13* شطحات الصوفية، ط2، عبد الرحمن البدوي، وكالة المطبوعات، كويت، 1978م

14* الشعر الصوفي، عدنان حسين العوادي، مطبعة دار الشؤون الثقافية، بغداد، ت، بلا

15* شعر التصوف بين الادبين العربي والكردي، د. عبد الوهاب عبدالله، مديرية الطباعة والنشر، السليمانية، 2009م

16* العقل الصوفي في الاسلام، د. علي شلق، دار المدى للطباعة، بيروت، 1985م

17* عوارف المعارف، السهروردي، دار احياء التراث العربي، بيروت، ت.بلا، ملحق احياء علوم الدين.

18* غذاء الالباب شرح منظومة الآداب، ج2، الشيخ محمد الحنبلي، دار الكتب العلمية، لبنان،

1684 م

19* في النقد الادبي الحديث، ط2، د. فائق مصطفى ود. عبد الرضا علي، مطبعة الكلية، كلية التربية، جامعة الموصل، 2000م

20* مدخل الى تاريخ الداب الاوروبية، د. عماد حاتم، الدار العربية للكتاب، ليبيا، 1979م

21* المدارس والانواع الادبية، د. شفيق بقاعي ود سامي هاشم، منشورات المكتبة العصرية، بيروت، 1979م

22* مذاهب الادب الغربي ومظاهرها في الادب العربي، د. سالم الحمداني، كلية الآداب، موصل، كلية الآداب، 1989م.

23* المجموعة الكاملة، جبران خليل جبران، المكتبة الوطنية، بغداد 1983.

 

 

 

 

(1) في النقد الادبي الحديث، 63

(2) موسوعة المصطلح النقدي، ج1، 175- 178

(3) المدارس والانواع الادبية، 56

(1) مذاهب الادب الغربي، ص 99 – 108

(2) الخلاصة في مذاهب الادب الغربي، ص20

(1) موسوعة المصطح النقدي، 164-165، ج1

(2) موسوعة المصطلح النقدي، ج1، 223-224.

(3) المدارس والانواع الادلية، 60.

(4) ينظر دائرة المعارف الاسلامية، ج5، 280.

(1) ينظر التصوف الثورة الروحية في الاسلام، 131.

(2) ينظرشعر التصوف بين الادبين العربي والكردي، 83.

(3) عوارف المعارف، 66.

(4) التصوف، ماسنيون، 32.

(5) العقل الصوفي في الاسلام، ص 11

(6) ن، م.

(7) ن، م.

(8) غذاء الالباب، شرح منظومة الاداب، ج2، ص 141.

(9) شرح جمع الجوامع، ج2، ص252.

(10) سفينة الراغب، ص296.

(11) الشعر الصوفي، ص25.

(1) التصوف الاسلامي في الادب والاخلاق، ج1، ص41.

(2) ينظر، م. ن، ص44.

(3) مكارم الاخلاق، ج1، ص252.

(4) العقل الصوفي، ص22.

(5) الشعر الصوفي، ص 226 – 227 – 229.

(6) م. ن، ص 94.

(7) ديوان الحلاج، الشيبي، ص111.

(8) التعريفات، ص 53.

(1) شطحات الصوفية، ص68.

(2) ينظرموسوعة المصطلح النقدي، 189-193

(3) م. ن، 322- 323

(4) ينظر المدارس والانواع الادبية، 61-62

(5) في الادب الحديث، 311

(6) مذاهب الادب الغربي، 143.

(1) المدارس والانواع الادبية، 130.

(2) التصوف الثورة الروحية في الاسلام، 22

(3) م.ن، 118

(4) محى الدين بن عربي من شعره، ص 110

(5) الشعر الصوفي، ص 219 – 220.

(1) ديوان الحلاج،

(2) م. ن، ص 310

(3) الفتوحات المكية، ج4، ص 112

(4) مذاهب الادب الغربي، الحمداني، 103

(5) المدارس والانواع الادبية، 70-73

(6) مذاهب الادب الغربي، 138

(1) التصوف في الشعر العربي، 69 – 70

(2) شطحات الصوفية، 101

(3) محي الدين بن عربي من شعره، 329

(4) الرمز الشعري عند الصوفية، 292

(1) مدخل الى الاداب الاوروبية، 39

(2) موسوعة المصطلح النقدي، 235

(3) م. ن، 255

(4) مذاهب الادب الغربي، 104

(5) مذاهب الادب الغربي، 306

(6) التصوف الثورة الروحية في الاسلام، 248

(1) ينظرالشعر الصوفي، 229-231

(2) التصوف في الشعر العربي، 88

(3) الرمز الشعري عند الصوفية، 210

(4) ترجمان الاشواق، 11

(5) ديوان ابن الفارض، 81

(6) ينظر في النقد الادبي الحديث، 30

(1) ينظر ن. م، 66

(2) والمدارس والانواع الادبية، 58

(3) ينظر مذاهب الادب الغربي، 106 – 107

(4) ينظر مذاهب الادب الغربي، 141، 123

(5) موسوعة المصطلح النقدي، 197

(6) مذاهب الادب الغربي، 142

(7) التصوف في الشعر العربي، 20

(1) ماهو التصوف، 164 -165

(2) الحب الالهي في التصوف الاسلامي، 128-129

(3) التصوف الثورة الروحية في الاسلام، 103

(4) التصوف الثورة الروحية في الاسلام، 21

(5) الحب الالهي، 106

(6) م، ن، 107

(7) م. ن، 115

(1) مذاهب الادب الغربي، 140

(2) المدارس والانواع الادبية، 69

(3) مذاهب الادب الغربي، 123

(4) مذاهب الادب الغربي، 140

(5) المجموعة الكاملة، جبران خليل جبران، 34

(6) الشعر الصوفي، 179-180

(7) شطحات الصوفية، 176

(8) طبقات الصوفية، 345

(1) اللمع، 381

(2) الحب الالـهي في التصوف الاسلامي، 29 -30

(3) الشعر الصوفي، 186

(4) التصوف في الشعر العربي، 295

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى