لماذا لا يحول الله دون قتل الأطفال؟
لماذا لا يحول الله دون قتل الأطفال؟
حمید پارسانیا*
يتوقّف ابن عربي في «الفص الموسويّ» من کتاب «فصوص الحکم»، عند قضيَّة قتل الأطفال من بني إسرائيل على يد فرعون، ويعالج علاقة هذه الحادثة بمجتمعهم. وتذكر الأخبار، كما هو معلومٌ، أنّ فرعون يطّلع بطريقة ما على أنّ طفلًا سيولد ويكون مصدر تهديدٍ لسلطته (هو النبي موسى(ع) ). وعلى ضوء هذه المعرفة، يقرّر أن يقتل جميع الأطفال كي لا يبقى هذا الطفل حيًّا ويتحقّق ذلك التهديد.
السؤال الذي يُطرح هنا هو: إذا كان الوجود ساحة ومسرحًا للحكمة الإلهيَّة، فهل حادثة قتل الأطفال هي مجرّد صدفةٍ؟
يمكن النظر إلى هذه الواقعة مرّة من زاوية عقلية وعقلانية، بحيث تُلحظ سلطة فرعون وإرادته وقدرته على ممارسة الظلم، ومرّة أخرى من زاوية أنّ كلّ ما في ساحة الوجود خاضعٌ للإرادة الإلهيَّة، وأنّ هذا العالم بكل تفاصيله يؤدّي دوره في النظام الأحسن الذي خلق الله العالم عليه.
يقول ابن عربي في هذا الفصّ، وبتوضيح منيّ، إنّ «أخذ عزيز مقتدرٍ»، وهو الفعل الذي كان يحصل على يد فرعون نفسه، كان يقود الفاعل نفسه أي فرعون نحو هاوية الزوال والفناء، وفي الوقت نفسه كان وسيلة وسبيلًا إلى تشكيل أمة موسى (ع)، وذلك لأنّ هؤلاء الأطفال، وبحسب تعبير ابن عربي، هم «حديثو عهد بالربّ»، ولذلك يملكون خاصّية تسخير الآباء والأمّهات وكبار القوم، وبوساطته يجعلون المجتمع في خدمتهم. ومن الضروري أنّ هذا التسخير تابعٌ ومرتبط بالمقام، ومقام هؤلاء الأطفال هو مقام قربٍ من الله، والقريب من الله يسخّر الأبعد وهو الكبير، وهذا ما يسمح لهم بالتأثير في غيرهم. فالأب أو الأم قد لا يرضيان أن يوقظهما أحدٌ من النوم، ولكن ما إن يسمع أحدهما سعالًا صدر عن طفله حتى يهبّ للاطمئنان على حاله ويتعهد خدمته.
والأطفال الذين هم حديثو العهد بالله، لهم نفْسٌ، ولا تفنى نفوسهم بالقتل. والظلم الذي يُمارس عليهم والانتقام والقصاص الذي يترتّب على سفك دمائهم، يتراكم. والبعد الروحاني الموجود فيهم يجتمع إلى أن تولد منه أمّة موسى التي أشرنا إليها في كلام ابن عربي. وهذه سنّة من السُنَن الإلهيَّة التي عملت في فترة تاريخية وأدّت إلى زوال فرعون وفنائه.
وعليه، فإنَّ الحوادث التي تقع في هذه الأيام في غزّة، والمجازر التي يرتكبها العدو الصهيوني في حقّ الأطفال الأبرياء، تكفي لإعمال السنّة الإلهيَّة، ولكي تلتفّ يد الانتقام الإلهي على سلطة الظالم وتشتدّ حتى تقضي عليه. فهؤلاء الأطفال الذين يُقتلون تجري كلمة التوحيد على ألسنتهم، ويلهجون بدعاء ربهم، ويطلبون منه العون والمدد. وليس قتلهم وحده موردًا لعمل السنّة الإلهيَّة وجريانها، بل إنّ المقاومة والثبات والالتفات إلى الله، وفي المقابل هذا الظلم الذي يمارس على هؤلاء الناس، سوف يكون سببًا لتكوين الأمة الإسلامية من جديد، وقد بدأ هذا الأمر بالتشكّل.
في بعض الأحيان، ننظر إلى الحوادث والوقائع في إطار المسائل الطبيعية والدنيوية، ونأخذ أو نلاحظ القواعد والسنن والقوانين من هذه الزاوية، [وقد يكون هذا صحيحًا]؛ ولكن لا بد من الالتفات إلى أنّ نظام العالم مترابط، والعلاقات والروابط الدنيوية هي الظاهرة، وثمّة روابط وجودية أعمق تتشكّل وتنعقد أواصرها، وهوية الأمّة لا تنحصر بالعلاقات والروابط الظاهرية فحسب؛ بل إن العلاقات الوجودية والحقائق الأعمق لها أيضًا أثرها في تشكيل هوية الأمة وبنائها. في ضوء هذا، إذا تحقّق الموت ووقع فإنّه يتحقّق ويقع في هذه الدنيا وما يموت هو البدن، والحقيقة الأعمق لا تزول ولا تفنى بموت البدن والجسد: «ولا تحسبنَّ الذین قتلوا في سبیل الله أمواتًا بل أحیاءٌ عند ربّهم یُرزقون».
يبقى القول أنَّ العلاقات الوجودية بين الناس لا تنحصر في الوجود الماديّ، بل هي حاضرةٌ وقائمة في عالم المعنى وفضاء الروح، وعليه فهذه الأرواح التي تزهق حاضرةٌ وموجودةٌ، وهي جزء من عناصر السنّة الإلهية التي تجري على يد الظالم ليتحقّق الانتقام الإلهي منه بيده هو، وينتقم للمظلوم من نفسه بنفسه إن شاء الله.
_____________________
*مفكِّر وأستاذ في الفلسفة والإلهيَّات – إيران.
بارك الله فيكم و سكر الله سعيكم
بارك الله بكم