الحوار الذاتيُّ والموضوعيُّ في تجربة المتصوِّف
الحوار الذاتيُّ والموضوعيُّ في تجربة المتصوِّف
د.مريم جابالله*
* باحثة في المجال الأدبيِّ والحضاريِّ- تونس.
نتناول في هذه الورقة فكرتين أساسيَّتين تخلص كلُّ فكرة إلى أخرى، وتتمحور حول تجربة التصوُّف الذاتيَّة المغلقة التي تنفتح على الموضوعيَّة في جدليَّة يشملها الحوار.
– الفكرة الأولى: تتمثَّل في أنَّ المتصوِّف في تجربته الذَّاتيَّة المغلقة يبحث عن الجمال ويريد الوصول إليه، والمجال المطلق لديه هو الله.
لذلك يتبيَّن لنا الإشكال الأول وهو: هل يُعتبر المتصوِّف في دائرة الإبداع، إذ إنَّ دائرة الجمال[1]محفوفة بفكرة الفنِّ والإبداع؟ ففكرة الجمال الصوفيِّ هي رغبته في إدراك الجمال الذي هو الله.
إنَّ مفهوم الجمال في الرؤية الصوفيَّة هو مفهوم مرتبط بالضرورة بمفهوم الوجود. فالجمال هو الذي يُحيلنا على حميميَّة الوجود، وعلى التعرُّفِ الشامل بمقام الإنسان بين سائر الموجودات باعتباره مرآة عكست خلاصة معاني الجمال بعدما التمسَته من أصله الإلهيِّ الذي أضفى عليها مع ذلك جلالا[2]. وهو يصل إلى هذا الإدراك عبر تمثُّل فكرة الجمال المطلق.
هذه الجدليَّة التي يعيشها المتصوِّف بين التجربة الذاتيَّة الخالصة التي ينشدها للوصول إلى اعتناق الجمال المطلق، وبين تَّمثُّل الأشياء الخارجة من الذات، والتي هي على مساحة منها، والتّأمّل في الموجودات، لذلك تكون التجربة مركَّبة بين الحسِّيِّ الدّاخليِّ وبين الخارج، ما يوجد خارج الذات، فملخَّص الفكرة أن المتصوِّف يتمثَّل الخارج ليوحِّده في الداخل.
نستنتج من هذا أنَّه مبدع، إذ هو يخرج من دائرة التّمثُّل الطّبيعيِّ للأشياء ويتمثَّلها جواهر أي ماهيَّات الأشياء في الطبيعة والعالم، فهو طامعٌ لرؤية ما لا يُرى، ذات المطلق الله التي تكون مبثوثة في كلِّ الماهيَّات في طبيعة.
– الفكرة الثانية، مفادها أنَّه إذا كان المتصوِّف يعيش تجربة فريدة، كما أشرنا بين الذاتي والموضوعي، بين النّسبي والمطلق، فأي خلاصة تُؤخذ من هذه في هذه التجربة؟
يقول أبو حيَّان التوحيديُّ في كتابه “الإمتاع والمؤانسة”، إنَّ مبحث الفنِّ يُطرح ضمن إطار العلاقة الملتبسة بين الإنسان والله والكون، ويرتبط بالقدرات الإبداعيَّة للكائن البشريِّ ضمن وجوده في العالم وتشبُّهه بالمطلق على قدر طاقته ومحاكاته للطبيعة.
“كما أنَّ القوة الحسِّيَّة عاجزة بطباعها عن استخلاص البسائط الأوائل، بل تحتاج معها القوَّة العاقلة، لا تقوى بذاتها على استثبات المركَّبات إلَّا من جهة القوَّة الحسَّاسة ولو قويت لصار الحسُّ فضلا (للعاقلة)”.[3]
في السياق نفسه، يبيِّن التوحيديُّ أنَّ “الطبيعة تتدرَّج في فعلها من الكليَّات البسيطة، إلى الجزئيَّات المركَّبة، إلى البسائط الكليَّة، والإحاطة بالمعاني المركَّبة تحتاج إلى الإحاطة بالمعاني البسيطة للتوصل إلى إثباتها.
وهذا القول يفيد إشكاليَّة المقال من حيث الربط بين عناصر الأطروحة، فالربط بين الله والعالم والإنسان المبدع لتكثيف تجربته نحو الوصول إلى الله عبر الوساطة أي الأشياء التي نرى فيها، إذ يؤسِّس الصّوفيُّ لرحلة إبداعيَّة عبر الحوار بين تجربته الدَّاخليَّة في التّأمُّل العميق للأشياء وتمثُّلها وانزياحها عن المعطى الطبيعيِّ، إذ يتمثَّلها بتركيبة جماليَّة تقرِّبها إلى ذات المطلق الله الذي يتمثَّل الجمال كما أسلفنا القول. وتتمّ هذه العمليَّة الفريدة عبر الُّلغة، فهي أساس الحوار، والخطاب المتصوّف يعتمد عليها.
تجدر الإشارة هنا إلى صعوبة المرحلة التي يعيشها المتصوِّف، فالتَّأمُّل في العالم والأشياء يكون ذاتيًّا، كذلك تمثُّل الأشياء يكون ذاتيًّا، إلَّا أنَّ ضربًا من الموضوعيَّة تتَّسم بها العمليَّة لأنَّها تقرِّب الأشياء الخارجة عنها وتمتثَّلها، وهذا التمثُّل ينتقل من الطبيعيِّ إلى الإبداعيِّ عبر الحوار، فالُّلغة قوامة التفكير، إذ يؤكد لنا ميشال دو سارتو أنَّ العلاقة عند المتصوِّف تتمُّ عبر ثنائيَّة التّكلُّم ” le parler ” والإنصات ” entendre ” ، وهاتان الصِّبغتان تحدِّدان لنا أنَّ المجال الروحانيَّ ينتظم في بعدين أساسيين بين الإلهيِّ والإنسانيِّ – حسب قوله – ويتمّ هذا الارتباط عبر التواصل.[4] حيث يجب الإنصات إلى الدَّعوة الإلهيَّة قبل الكلام معه وفيه.
حوار الصوفيِّ بن الكلام والصمت:
في الإطار ذاته، ولفهم خصوصيَّة الحوار الفريد والخاصِّ الذي ينشئه المتصوِّف مع العالم والله، يذكر هايدغر هذه المقاربة لإنسان لا يتكلَّم إلَّا بقدر ما ينصت. حي يقول “إنَّ الكائن الإنسانيَّ ليس قادرًا على الكلام إلَّا بقدر انتمائه إلى القول أنه ينصت من أجل أن يقول كلمة”. ويضيف متسائلًا “لكن هل تتكلَّم الُّلغة إذن ذاتها؟ أنَّى لها أن تقوم بذلك والحال أنَّها ليست مزوَّدة بأعضاء الكلام؟ ومع ذلك فإنَّها تتكلَّم. إنَّها تتبع في المقام الأول، وبالمعنى الحقَّ الأساسي dasWesendفي التكلُّم: القول. تتكلَّم الًّلغة بأن تقول، أي تبين، ينبع قولها من القولة Sage المتكلِّمة قديمًا والتي بقيت غير متكلِّمة إلى الآن والتي تتخلَّل الشقَّ الفاتح لحدوث الُّلغة. وتتكلَّم اللغة التي تمتدُّ كبيان إلى كلِّ جهات الحضور، بأن تجعل كلَّ حاضر يظهر أو يخفت انطلاقًا من هذه الجهات. وبناءً عليه، فإنَّنا ننصت إلى الُّلغة بحيث نترك قولتها تُقال لنا، ومهما كانت الكيفيَّات التي نسمع بها عادة، فهو السماع الذي يضمُّ سلفًا كلَّ إدراك وتمثُّل، هو ترك شيء يُقال لنا. في التكلُّم كإنصات إلى الُّلغة نردِّد القولة التي أنصتنا إليها، إنَّنا نترك صوتها الذي ليس له جرس يقبل، ونطلب أثناء ذلك الجرس المحتفظ به لنا، نناديه ونحن ممتدِّين نحوه. والآن يمكن أن تفصح في الشقِّ الفاتح لحدوث الُّلغة سمة واحدة على الأقل عن ذاتها بكيفيَّة أوضح بحيث نلمح فيها كيف تجلب الُّلغة كتكلُّم إلى ما يخصُّها، وبذلك كيف تتكلَّم من حيث هي الُّلغة”.[5]
الُّلغة الإنسانيَّة هي من وجهة النظر هذه دائمًا ثانويَّة. إنَّها إجابة وتوافق مع صوت الوجود أو مع صوت إطار العالم الرباعيِّ الذي يضمُّ ” »الأرض والسماء، الإلهيين والفانين”. [6]
من هنا يجدر القول أنَّ العمليَّة التي تنشأ بين المتصوِّف والعالم الذي هو فحوى الأشياء، كما يقول هايدغر، والله، هي علاقة الحوار بامتياز، فالصمت والكلام يمثِّلان عمق الحوار بين الله والإنسان والطبيعة.
فالصمت هو كلام مخصوص وليس فارغًا من المعنى، بل حركة لصيقة بالإصغاء، فالإصغاء والصمت والكلام تؤسِّس لتجربة الصّوفيَّة في درجات ارتقائها الإبداعيَّة…
هذه التجربة تجمع بين الكائنات ومصدرها الكلّيِّ والجزئيِّ، كما يقول “التوحيدي”، فالصبغة تندرج في فعلها من الكليَّات البسيطة إلى الجزئيَّات المركَّبة، والعقل يتدرَّج من الجزئيَّات المركَّبة إلى البسائط الكليَّة، ومن هنا تنشأ العمليَّة الإبداعيَّة لدى المتصوِّف في الحوار بين الذّاتيِّ والموضوعيِّ، الموجود والوجود بين الشّيء والجوهر، وهذه المراوحة يصل إليها عبر تمثُّل الشّيء.
إنَّ الصمت الذي لا يفرغ من المعنى – كما يقول الفيلسوف الفرنسي جان براتش- الإصغاء يؤسِّسان لتجربة الصّوفيَّة، فوحدة المتصوِّف لا تفيد عزله عن الحوار، الحوار بمعنى التأمُّل والجهد والتفكير للوصول إلى الجمال في تجربته الإبداعيَّة المكثّفة التي يعيشها. فالموجودات كلّها حسب “التوحيدي” تستمدُّ جمالها من كونها قبل أن تكون بالفعل موجودة بالقوَّة في العالم الإلهيِّ، فهي تستمدُّ جمالها من جمال مصدرها أي الله…، وإنَّ الأشياء كلَّها تستمدُّ جمالها من تلك الصفات والأفعال. هذه المراوحة بين الموجود والوجود من الشيء والجوهر، يصل إليها المتصوِّف عبر تَمَثُّلِ الموجود وتحويله إلى جوهر المتناسب مع الجمال المطلق الذي يروم إليه:
“فالجمال هو التكوين العقليُّ لصورة ذهنيَّة أو سلسلة من الصور يتمثَّل فيها جوهر من الشيء المدرك، لأنَّ الجمال يتعلَّق بالصورة الباطنيَّة أكثر ممَّا يتعلَّق بالتاريخ، فهو تجميد الصورة الباطنيّة”.[7]
المتصوِّف الفنَّان:
إنَّ الالتزام بين فكرة الحوار بين المتصوِّف وذات المطلق هي حركة الذّاتيِّ والموضوعيِّ التي تنشأ في استبطان الشيء الخارج عن الذَّات وتحويله إلى داخل الذات في حركة عود على بدء دائريَّة. وهاتان الحركتان أنشأتا مفهوم الإبداع لدى المتصوِّف الفنَّان.
“فالإلهام عند الفنانين يقابله التجلِّي أو الكشف عند الصوفيَّة، وطبعًا كلُّ تلك الحالات تختلف الواحدة عن الأخرى في قوَّتها وشدَّة تأثيرها بين فنان وآخر، وصوفيٍّ وآخر، بحسب شدَّة تركيز الملكات التصوُّريَّة للذهن. ومعنى ذلك أنَّ الفنان والصوفيَّ يكونان في حالة واحدة تسمَّى الاستغراق، أو لنقل الحلم حلم يقظة .
لا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ المسألة عند الصوفي تكون أشد وأقوى منها لدى الفنان، فعندما يصل ذروة الاستغراق يبلغ إلى حال يسمَّى الفناء التام. أي أنَّ الصوفيَّ حسب هذا المفهوم يمتزج بعالم الحقيقة، ويقترب من المطلق حيث النقاء والنور. وهي غايته ومنتهى طلبه. أمَّا الفنان ــ الرسَّام أو الشاعر أو الموسيقي فكلما استطاع أن يتعمَّق في إبداعه الفنيِّ، وكلما أوغل في امتزاجه وصولًا إلى جوهر العالم والحقيقة من خلال منجزه الإبداعيِّ سواء كانت لوحة أم قصيدة أو قطعة موسيقيَّة، كلما اقترب من السمو الصوفيِّ اللَّامتناهي”.[8]
إنَّ المتصوِّف الذي ينتج الفنَّ هو فنان، وإذ يلتحم بالفنان داخله يكون في أرقى درجات الحوار مع الأشياء في العالم، ومع خالق العالم، وينتج فنًّا.
“إذ على الفنان أن يفكِّر تفكيرًا جادًّا في جوهر الحقائق، في كلِّ ما لها من امتداد وعمق، إذ من دون الفكر لا يكون المرء على وعي بما هو دخيل على نفسه”.[9]
“إذ إنَّ هدف الإدراك الجمالي هو التّأمُّل ذاته”.[10]
بهذا يعيش المتصوِّف الفنان عمليَّة فريدة مركَّبة فيها حركة دائبة بين الذات العاقلة والحواسِّ، ولمَّا كان الجمال كما يقول “التوحيدي” كمالًا في حدِّ ذاته فلا بأس لدعوة لعشق …… فالعشق تشوُّق إلى كمال ما، في حركة دالّة على صورة في شكل إلى تشكُّله.
ولمّا كان الخطاب عاجزًا عن احتواء ما وراء المعنى الذي يروم إليه المتصوِّف، كان الصمت حوارًا مبطّنًا بين الجميل الكامل وهو الله، وينجز الحوار عبر تمثُّل الموضوعات في ذات المتصوِّف، ويرتقي بها من تمثَّل كلَّ تواصل يغذّيه البحث والعلم والصناعة التي هي …. المبدع.
وتتحقَّق هذه العمليَّة عبر معطيين اثنين هما الذاتيُّ والموضوعيُّ في الشيء الخارجيِّ الذي هو على مساحة من الذات.
الموضوعي بتمثُّله في الذات يتحوَّل ذاتيًّا يسنِّن الشيء فيه ويطلب تطوُّره نحو الجوهر والمجال. وينتقل الجمال الطبيعيُّ إلى الذات ليصبح أثرًا فنّيًّا ينتجه المتصوِّف، فنًّا، رقصًا، غناءً، كتابةً، شعرًا،…
“فالأثر الفنّيُّ يحتوي على الروح والحركة وهما أسمى ما في الوجود”.[11]
إنَّ الطريف في الحوار الذي ينشأ بين المتصوِّف هو تعدُّد الدرجات التي يقيمها المحاور مع ذاته التي ترتقي في مراوحة فريدة بين الداخل الذات والخارج. فالحوار ذاتيٌّ بالأساس، والذات تناجي الخالق وتريد الوصول إليه، وتتكثَّف الَّلحظة الحواريَّة إلى درجة تصوُّر الذات المطلقة والحديث معها، ويصبح الحوار رؤية وتشوُّفًا، فهو الخلاص خلاص الذاتيِّ إلى الموضوعيّْ:
“التصوُفُ رحلةٌ يسلكُها الصوفيُّ باحثًا عن الله، أو بمعنى آخر ذاهبًا إليه، بُغية الفناءِ في الحقِّ عبر مقاماته وأحواله التي يخوضُها، ولعلَّ أبرزَها المُشاهدة والشَّوق والقُرب والمحبَّة. والمتصوِّفُ يذهبُ نحو النُّور، غيرُ مرتجٍ من أحدٍ طلبًا، أو مُبتغٍ مصلحةً، يذكر الله باللسان، وبالقلب، ولا يشغلهُ أحدٌ عن سواه[12] «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ»[13].
من المهمِّ القول أنَّ الحوار بين الذاتيِّ والموضوعيِّ يفترض شروطًا لتحديد العلاقة بينهما. وهذه العلاقة الخاصَّة ترتقي إلى الفرادة، إذ هي في الأصل الصلة الوثيقة بين العقل والحوار، إذ إنَّ الحوار في درجة معيَّنة هو حوار بين الذات والعقل، وقد مثَّل الفكر الصوفيُّ فهمًا جوهريًّا للأديان والكون والبشر، ولأنَّه يدعو إلى التفكير والتفكُّر في هذا السياق نفهم فكرة التجلِّيات التي يعيشها الصوفيُّ، فهي تجلِّيات لصور ينتجها العقل في درجة عالية من الوعي، فعندما يرتفع الوعي – كما يقول نيتشه الذي يضحك من كلّ مآسي المسرح ومآسي الحياة ذات العقل المرتفع – يصل إلى الإصغاء إلى الموجودات الأكثر اختفاءً وغيابًا، إذ تحضر الموجودات الغائبة، وتزداد الموجودات الحاضرة.
هذا التجلّي هو ذروة الحوار للموجودات، وهو الحوار الذي يقيمه المتصوِّف مع الأشياء والموجودات التي تنفتح على الوجود، فيقيم المتصوِّف في قلب الموجودات، ويفتح ذاته على الوجود.
هذه المقاربة في مراحل التأمُّل لدى الصوفيِّ تقابلها مراحل فهم الكون والكشف والإلهام، وهي الفترة التي يدرك فيها المريد بفهم ما يدركه عامَّة الناس في البداية، وتحدث فجأة ومن دون مقدرة السيطرة عليها ومع الوقت، فيصبح العقل من القوة بأنه يستطيع الولوج إليها عند الحاجة، فـ”يرى” أشياء في أيِّ مكان، و”يسمع” الصوت من أيِّ مكان، حتى أنَّه يستطيع أن “يشم” روائح في أيِّ مكان. كما يستطيع أن “يلمس” أشياء في أيِّ مكان.
في هذه الفترة يستطيع المريد أن يقوم بالتأمُّل من دون إغلاق عينيه، فيصبح متحرِّرًا من الوقت والفضاء، ويتحاور مع الموجودات ليصل في ذروة الحوار إلى الإقامة في لبِّها وينفتح على الوجود ليشعر بالله في الموجود.[14]
إنَّه حوار ذو لغة خاصَّة بين الذات وذاتها، وبين الذات والأشياء، ليخلص إلى حوار العاشق بالمعشوق.
نخلص في هذا المقال إلى أنَّ الثنائيَّات والحركة الازدواجيَّة التي يعيشها المتصوِّف من انتقال بين الذاتيِّ والموضوعيِّ في تجربة فرديَّة، توحي في مستوى أوَّل بأنَّها بين الذات وخارجها، إلَّا أنَّها عمليَّة تتمُّ بين الذات وذاتها في مستويات متفاوتة من الإدراك، ثم تنفتح الذات على الخارج والعالم والطبيعة لتمتدّ إلى السكن في قلب الأشياء، لتنفتح من الموجود على الوجود.
وعليه، فإنَّ السبيل الوحيد للحوار بين المتصوِّف والخارج، وبين الموجود والوجود، وبينه وبين المعشوق، هو الحب.
في دين الحب:
المحبة طريقة …
والحبيب طريق …
والجمال سنَّة …
والصدق شريعة …
والشوق إيمان …
وإن تعدَّدت الطرق… والطرائق … والطرقات …
فإنِّي واحد … دائمًا.[15]