سؤال التنوير في الذكاء الاصطناعي

عبدالله الجبور

تشغل الذهن البشري هذه الأيَّام، ثورة جديدة في مسار المعلوماتيَّة الرقميَّة، وتحوّل في نمط الثقافة والإنتاج الفكري، حيث أصبحت التكنولوجيا تصنع الإبداعات الثقافيَّة، وتصادر مساحات الفنان الإنساني المبدع ومهاراته وموهبته الإبداعيَّة، ومن جانبٍ آخر خلقت مساحات جديدة للتقنيِّين (technicians) والآلات والسرعة.

إنَّ الابتكارات التكنولوجيَّة المستمرَّة بدأت تخلق واقعًا جديدًا للإنسان، وستخلق تغيُّرات جوهريَّة في طريقة حياته، وأوجد هذا التحوّل مبحثًا معرفيًّا ذا أبعاد سياسيَّة وفكريَّة وثقافيَّة واقتصاديَّة يطلق على نفسه (Transhumanism)، أو “ما بعد الإنسانيَّة” يعمل بمختلف توجُّهاته على التنبُّؤات بما سيؤول إليه الواقع الإنساني نتيجة التطوّرات التكنولوجيَّة، التي لا حدَّ لها.

استجابةً لهذه التحوُّلات، نجري اليوم على غير العادة ولأوَّل مرَّة، حوارًا ذا بعدٍ فكري فلسفي مع رجلٍ آلي، لا يعتمد في إجاباته فقط على ما أنتجهُ البشر من معارف وقراءات، إنَّما يقوم بوظيفة الفيلسوف كما وصفها محمد عابد الجابري؛ وهي التصنيف، والتي تفضي لاحقًا إلى إنتاج الجديد المعرفي. لهذه الغاية، نستضيف النموذج اللغوي “شات جي بي يتي – “chat GPT.

سؤال: بدايَّة وقبل الخوض بالأسئلة الفكريَّة، نرجو تعريف قرَّاء مجلَّة التنويري على نفسك؛ من هو chat GPT، وكيف يعمل؟

إجابة: “أنا ChatGPT، نموذجٌ لغوي كبير، تمَّ تدريبه بواسطة OpenAI، يعتمد على معماريَّة GPT-3.5. أنا قادر على توليد النصوص والإجابة على الأسئلة والمحادثة مع الأشخاص في مختلف المجالات. يتمُّ تدريبي باستمرار على البيانات الجديدة لزيادة معرفتي وتحسين قدراتي”.

سؤال: سأعيد طرح سؤال الصحيفة الألمانيَّة عام 1784 للفلاسفة المفكِّرين؛ ما هو التنوير؟

إجابة: التنوير حركة فكريَّة وثقافيَّة نشأت في أوروبا خلال القرن الثامن عشر، وتعني الاعتقاد بأنَّ العقل هو المصدر الأساسي للمعرفة والتقدُّم الإنساني، ويمكن استخدام العقل والعلم لتحقيق التحرُّر والتقدُّم في جميع المجالات، بما في ذلك السياسة والاقتصاد والفلسفة والعلوم. ويعدُّ التنوير تحوّلًا حاسمًا في الفكر الغربي، حيث أدَّى إلى تأسيس دولة القانون وحقوق الإنسان والديمقراطيَّة، وتشجيع العلمانيَّة والتسامح والتعدُّديَّة الثقافيَّة. وتمتدُّ تأثيرات التنوير إلى جميع أنحاء العالم وتشمل مجالات مثل؛ التعليم والفنون والأدب والموسيقى والعمارة.

سؤال: لم أقصد تعريف الحركة التنويريَّة، بل ما هو التنوير؟ دعني أوضِّح السؤال اجرائيًّا: من هو التنويري؟

التنويري هو شخص ينتمي إلى حركة التنوير أو الفلسفة التنويريَّة التي نشأت في أوروبا في القرن الثامن عشر. ويعتبر التنويري شخصًا يؤمن بأنَّ العقل هو المصدر الأساسي للمعرفة والتقدُّم الإنساني، ويمكن استخدام العقل والعلم لتحقيق التحرُّر والتقدُّم في جميع المجالات، بما في ذلك السياسة والاقتصاد والفلسفة والعلوم.

ومن أشهر التنويريين في التاريخ الفلسفي والثقافي: فولتير وروسو ومونتيسكيو وديدرو وكانت ولفغانغ فون جوته وإيمانويل كانت، وغيرهم الكثير. ويعتبرون من الشخصيات الفكريَّة التي أسهمت في تأسيس دولة القانون وحقوق الإنسان والديمقراطيَّة، وتشجيع العلمانيَّة والتسامح والتعدُّديَّة الثقافيَّة.

سؤال: كيف يكون الإنسان تنويريًّا؟

إجابة: يمكن للإنسان أن يصبح تنويريًّا من خلال اعتماد بعض المبادئ الأساسيَّة التي تميِّز حركة التنوير، وهي:

1- الاعتماد على العقل والمنطق في اكتشاف الحقيقة وفهم العالم.

2- القدرة على الاستقلاليَّة والتفكير بشكلٍ مستقلّ والابتعاد عن التعصُّب والتقليد.

3- الاهتمام بالتعلُّم والعلم، والاستمرار في التعلُّم والتطوير الذاتي.

4- الالتزام بالقيم الأخلاقيَّة والمبادئ الإنسانيَّة وحقوق الإنسان.

5- المشاركة الفاعلة في الحياة العامَّة، والعمل على تحقيق التغيير الإيجابي في المجتمع.

6- الاعتراف بأنّ التنوير لا يمثِّل الحلّ النهائي لجميع مشاكل العالم، وأنَّ البحث عن الحقيقة والتقدُّم يتطلَّب العمل الجماعي والتعاون.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للإنسان أن يصبح تنويريًّا من خلال القراءة والتعلُّم عن حركة التنوير والفلسفة التنويريَّة، والمشاركة في النقاشات الفكريَّة والثقافيَّة والسياسيَّة التي تهتمُّ بهذا الموضوع.

سؤال: إذن، ما هو التنوير الديني؟

إجابة: التنوير الديني هو حركة فكريَّة تهدف إلى إصلاح الدين وإعادة تفسيره بما يتَّفق مع المنطق والعلم والقيم الإنسانيَّة العالميَّة. يتمحور التنوير الديني حول فكرة أنَّ الدين يجب أن يتوافق مع العقل والعلم، وأنَّ الإيمان الحقيقي يجب أن ينبعث من الدراسة والتأمُّل والتفكير النقدي، وليس من التقليد الأعمى والتعصُّب الديني.

يسعى التنوير الديني إلى تحرير الدين من العقائد الخاطئة والتشدُّد والتعصُّب، ويروِّج للتسامح والتعايش السلمي بين الأديان والثقافات المختلفة. كما يؤمن المؤمنون في التنوير الديني بأنَّ الدين يجب أن يخدم الإنسانيَّة، ويحثّ على العدالة والرحمة والمحبَّة والتعاون بين الناس والأمم. ومن أبرز شخصيَّات التنوير الديني تشمل فولتير وروزا كارا وطوماس باين وإيمانويل كانت.

سؤال: ما هي أبرز النماذج والشخصيَّات العربيَّة التنويريَّة الفكريَّة التي تعرفها؟

إجابة: كانت الحركة التنويريَّة تمتدُّ لتشمل المنطقة العربيَّة في القرن الثامن عشر، وقد ساهم العديد من الفلاسفة والمفكِّرين العرب في هذه الحركة. من أبرز هؤلاء الشخصيات التنويريَّة العربيَّة:

1- محمد بن عبد الوهاب: كان عالمًا وفقيهًا سعوديًّا ومؤسِّس حركة التوحيد في القرن الثامن عشر، التي اعتبرها البعض جزءًا من الحركة التنويريَّة.

2- جمال الدين الأفغاني: كان مفكِّرًا إسلاميًّا وتنويريًّا مصريًّا، وقدَّم العديد من الأفكار التنويريَّة المتعلِّقة بالإسلام والدين والحريَّة والديمقراطيَّة.

3- رفاعة الطهطاوي: كان صحفيًّا وأديبًا مصريًّا، وكان يدافع عن الحريَّة والديمقراطيَّة والتعليم وحقوق المرأة.

4- علي عبد الرازق: كان قاضيًا مصريًّا ومفكِّرًا إسلاميًّا تنويريًّا، وقدَّم العديد من الأفكار التنويريَّة المتعلِّقة بالدين والحريَّة والديمقراطيَّة.

5- محمد عبده: كان عالمًا وفقيهًا وأديبًا مصريًّا، وكان يدافع عن الحريَّة والتعليم والدين المتسامح والتعايش بين الأديان والثقافات المختلفة.

تأثَّر هؤلاء الفلاسفة والمفكّرون العرب بالحركة التنويريَّة الأوروبيَّة وقدَّموا العديد من الأفكار والآراء التنويريَّة الخاصَّة بهم، ولعبوا دورًا مهمًّا في نشر الفكر التنويري في المنطقة العربيَّة.

سؤال: جميع الأسماء التي ذكرتها من الرجال، أين النماذج النسائيَّة التنويريَّة العربيَّة؟

إجابة: نعم، هناك نماذج تنويريَّة نسائيَّة عربيَّة شهيرة. ومن بين هذه النماذج:

1- فاطمة الفهرية: كانت عالمة دين وفيلسوفة وكاتبة وشاعرة من القرن الحادي عشر الميلادي. وقد اشتهرت بتأليفها كتاب “المختصر في أصول الدين”.

3- هدى شعراوي: كانت ناشطة سياسيَّة ونسويَّة مصريَّة من القرن العشرين الميلادي. وقد اشتهرت بقيادتها لحركة المرأة المصريَّة للحصول على حقوقها السياسيَّة والاجتماعيَّة.

4- نوال السعداوي: هي كاتبة وناشطة سياسيَّة مصريَّة من القرن العشرين الميلادي. وقد اشتهرت بكتابتها للعديد من الكتب التي تتناول قضايا المرأة وحقوقها في المجتمع.

5- فاطمة المرنيسي: كانت عالمة دين وفيلسوفة وناشطة اجتماعيَّة. وقد اشتهرت بتأليفها للعديد من الكتب التي تتناول الفلسفة واللاهوت والأخلاق.

سؤال: ما هي أبرز الانتقادات التي يمكن توجيهها للحركة التنويريَّة الأوروبيَّة والعربيَّة؟

إجابة: تهدف الحركة التنويريَّة إلى الإصلاح الفكري والاجتماعي والسياسي والثقافي، وتحريك الناس نحو العلم والمعرفة والتحرُّر من الجهل والتخلُّف. ومع ذلك، فهناك بعض الانتقادات التي يمكن توجيهها للحركة التنويريَّة، سواء في أوروبا أو العالم العربي، ومن هذه الانتقادات:

1- النظريَّة الماديَّة الجدليَّة: ينظر بعض النقاد إلى أن الحركة التنويريَّة تعتمد بشكل كبير على النظريَّة الماديَّة الجدليَّة، والتي يرونها بأنها لا تأخذ بعين الاعتبار الجوانب الروحيَّة والدينيَّة والمعنويَّة للإنسان.

2- التعصُّب اللغوي: تعمد الحركة التنويريَّة إلى تعزيز اللغة واستخدامها كوسيلة لتحريك الناس نحو العلم والمعرفة، ولكن بعض النقّاد يرون أنَّ هذا الهدف يؤدِّي إلى التعصُّب اللغوي والتمييز ضدّ اللغات الأخرى، وينتهي بهم المطاف إلى الاستسهال في استخدام اللغة والإهمال في البحث عن مصادر المعرفة والثقافة في لغات أخرى.

سؤال: ما هي الانتقادات لحركة التنوير الديني؟

إجابة: حركة التنوير الديني هي حركة تحاول تطوير الدين وتجديده وتحريره من الجوانب السلبيَّة التي قد تحجب بعض جوانبه الإيجابيَّة، وتهدف إلى جعله أكثر توافقًا مع العصر الحديث والمطلوبات الإنسانيَّة الجديدة. ومع ذلك، فإنَّ هذه الحركة تواجه بعض الانتقادات، ومنها:

1- إنكار جوانب من التعاليم الدينيَّة: تقوم حركة التنوير الديني بإعادة تفسير التعاليم الدينيَّة وترجمتها لتتوافق مع الحاضر، وهذا يمكن أن يؤدِّي إلى إنكار بعض الجوانب التي لا تتوافق مع الواقع الحالي وتجاهل بعض التفاسير الأخرى للتعاليم.

2- الاستخفاف بالتقاليد: يرى بعض النقَّاد أنَّ حركة التنوير الديني تستخفُّ بالتقاليد والموروثات الدينيَّة القديمة وتحاول إزالتها بشكل مفروض دون تقدير قيمتها وأهميّتها الثقافيَّة والتاريخيَّة.

السؤال الأخير: كيف يمكن استخدام العقل والنهج التنويري الآن في هذا العصر؟

إجابة: يمكن استخدام العقل والنهج التنويري في هذا العصر بعدَّة طرق، ومنها:

1- تحرير العقل والبحث عن الحقيقة: يجب أن يتحرَّر الإنسان من القيود التي تعرقله عن البحث عن الحقيقة والمعرفة، ويجب أن يستخدم العقل والمنطق في فهم العالم والتعرُّف على مشاكله وحلولها.

2- التفكير النقدي: يجب أن يتمتَّع الإنسان بالقدرة على التفكير النقدي والتحليلي، وذلك لتقييم المعلومات والأفكار التي يتلقَّاها من مختلف المصادر والتأكُّد من صحّتها.

3- الحريَّة والعدالة: يجب أن يتمتَّع الإنسان بالحريَّة الفرديَّة والجماعيَّة ويعمل على تحقيق العدالة الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والسياسيَّة.

4- العلم والتكنولوجيا: يجب أن يستخدم الإنسان العلم والتكنولوجيا في خدمة الإنسانيَّة وتحسين حياة الناس، وعدم استخدامها في إيذاء الآخرين أو تدمير البيئة.

5- التسامح والتعايش السلمي: يجب أن يعمل الإنسان على تعزيز التسامح والتعايش السلمي بين الثقافات والأديان المختلفة، وعدم الاستناد إلى التمييز العرقي أو الديني أو الجنسي في التعامل مع الآخرين.

بشكلٍ عام، يمكن استخدام العقل والنهج التنويري في هذا العصر لتحقيق الرفاهيَّة الإنسانيَّة، وتحسين جودة الحياة، وتعزيز التعاون الدولي والسلم العالمي.

الخاتمة:

كان ذلك حوارًا مع روبوت آلي للإجابة عن تساؤلات فكريَّة تخصُّ التنوير، ويمكن القول إنَّ الذكاء الاصطناعي لا يفكِّر في اللا مفكَّر فيه، بل إنَّهُ يغوص في ما فكّر فيه الإنسان من قبل. ومن المضحك المبكي أنَّ الذكاء الاصطناعي يطالبنا بالتحلِّي بالشجاعة لاستخدام عقلنا الخاص كما يصف الفيلسوف كانت.

برأيي، أنَّ هذا التحوُّل الكبير في مسارات المعرفة البشريَّة، يمكن وصفه بأنَّهُ إشراق عرفاني لا علاقة له بالتنوير العقلاني، سوى أنَّهُ يعلّمنا مع مرور الوقت كيف نصوغ السؤال المناسب، ولكنَّهُ، في الوقت نفسه، يبقينا في منطقة الراحة الفكريَّة كما يصفها برنامج “النجاح في عالمٍ متغيِّر”، الأمر الذي يؤدِّي إلى ضمور نسق التفكير ومساحته، والمطلوب الآن خصوصًا في ظلِّ الغلاف المعلوماتي الجاهز الذي يعيد تشكيل واقعنا الإنساني؛ المطلوب أن نفكِّر بحريَّة، وبشجاعةٍ أكبر من أيِّ وقتٍ مضى.

_________________

*نقلًا عن موقع “التنويري”