فنون و آداب

المشروع الروائي العرفانيّ نقطة تحوُّل في مسيرة الرواية العربيّة

مؤيد الشرعة

المشروع الروائي العرفانيّ نقطة تحوُّل في مسيرة الرواية العربيّة

مؤيد الشرعة

جامعة أهل البيت

 

سعت الرواية العربية المعاصرة نحو التجديد والإثراء في المحتوى الإبداعي الذي تقدّمه، حيث إنّها حاولت ابتكار غير قليل من المواضيع والأفكار الجديدة، فضلاً عن الأساليب والتقنيات الفنيّة، التي يتم من خلالها عرض النص الروائي والأحداث السردية، فظهر لدينا روايات عربية امتازت بتجدّدها في الأسلوب، أو في تجددها بالموضوع.

المشروع الروائي العرفانيّ، تجديد في التراث الصوفي

وفي هذا الصدد ظهر إلى النور مشروع روائي عربي، يسعى إلى التجديد في الأساليب والموضوعات، ويعتمد في أساس فكرته على استعمال لغة فصيحة قويمة، تبتعد عن مجاراة العاميّة وتوظيف المفردات الأجنبية، وتستمد من التراث العربي التاريخي، والفكر الصوفي مادتها، ومن الشخصيات التاريخية الصوفية المؤثرة أبطالا لها.

وقد قام بهذا المشروع الروائي الدكتور المغربي عبد الإله بن عرفة، وهو أستاذ جامعي وباحث في الفكر الصوفي، أعلن في تقديمه لرواياته المنشورة أنّه يحاول إنتاج مشروع روائي عربي، يواجه فيه التراجع الذي طرأ على الرواية العربية، من حيث استعمال المواضيع المبتذلة، التي لا تقدم فكرة أو هدف واضح، وتعتمد على التقليد ومحاكاة الروايات الغربية متدنية المستوى، من باب محاولة كسب الشهرة، أو الفوز بالجوائز المادية.

 

علاقة المشروع الروائي العرفانيّ بالقرآن الكريم

قرر عبد الإله بن عرفة أن يكون مشروعه مبنيًا على فواتح السور القرآنية المقطعة، التي يُفتتح بها بعض سور القرآن الكريم، وهي: (ق، ن، ص، حم، طس، يس، ألم، ألر، كهيعص…)، وعددها أربع عشرة فاتحة، فكل رواية تُنْتَج يتضمن عنوانها فاتحةً قرآنيةً، مثل: جبل قاف، بلاد صاد، بحر نون، وغيرها.

جدلية العلاقة بين الرواية العرفانيّة والتاريخ

وفضلا عمّا سبق، أعلن صاحب هذا المشروع أن رواياته هذه توازي عدد القرون، التي عاشتها الأمة الإسلامية، فكل رواية تتناول عصرًا من هذه العصور، وكل عصر له شخصية صوفية مميزة تكون بطلة الرواية، وتكون أحداث حياة هذه الشخصية هي أحداث الرواية، مع تصرُّف من قبل الكاتب.

وجدير بالذكر أن بن عرفة لم يرتب مشروعه الروائي حسب الترتيب التاريخي للعصور، فأوّل رواية له لم يكن فضاؤها الزمني القرن الأول هجري، وإنما كانت في فترة زمنية متقدمة، فقد اعتمد في ترتيبه لروايات مشروعه على نظام المجموعات الروائية، فأوّل مجموعة تضم الروايات التي يتضمن عناوينها حرف واحد من الفواتح القرآنية، وهي: (جبل قاف، بلاد صاد، بحر نون)، أما روايات المجموعة الثانية، فتضم الروايات التي تضم عناوينها حرفان نورانيان، وهي: (طواسين الغزالي، ياسين قلب الخلافة، الحواميم)، أمّا المجموعة الثالثة، فتضم الروايات التي في عناوينها فواتح قرآنية من ثلاثة حروف، وهكذا حتى المجموعة الخامسة، ليتكون لدينا خمس مجموعات، تقدم أربع عشرة رواية .

الشخصية الصوفية التاريخية بين التاريخ والسرد

وقد صدر للمؤلف ما يقارب نصف عدد روايات هذا المشروع، وقد لاقى استحسانًا نتيجة لغته البسيطة الممتعة، التي حافظت على رصانتها وفصاحتها، بالإضافة إلى توظيفه للشعر في سياق رواياته، وابتكار أحداث درامية في سياق سرده لأحداث تاريخية حصلت مع الشخصية الصوفية المختارة، فهو لم يكتفي بما وجده في المراجع التاريخي حول الشخصية الصوفية البطلة، وإنما كان يبتكر ويخترع أحداثًا من عندها تثري السرد، ولا تشعر القارئ بوجود فجوات بين ما هو تاريخي، وما هو خيالي.

وجدير بالذكر أنّ الكاتب اعتمد بشكل مباشر على مادة خام، وهي التراث الصوفي، حيث إنّه وظف معرفته في هذا التراث في سياق رواياته، مما جعلها تختزل الموروث الحضاري، وتظهر بأسلوب معاصر، وهذا لا شك جعل من نصوصه الروائية كتابات زاخرة، تقدّم مادة معرفية للقارئ بأسلوب سردي ممتع.

___________________________

*نقلًا عن موقع “the 8log”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى