الطريقة الصوفيَّة الحمويَّة في الساحل الأفريقي
د. إخليهنا ولد محمد الأمين
(باحث وكاتب موريتاني)
يحظى شيخ الطريقة الحموية الشيخ محمدو ولد الشيخ حماه الله بتقدير كبير داخل مالي حيث مقر الطريقة ومكان نشأتها، كما يحظى بتقدير كبير بموريتانيا حيث الجذور الاجتماعية لمؤسسها، فضلا عن تأثير بغرب إفريقيا تجعل من هذه الطريقة مركز ثقل ديني واجتماعي وسياسي بهذه المنطقة.
التراث الصوفي بمالي غني بالمخطوطات العربية.
تطرح الطريقة الحموية اليوم أكثر من سؤال بحكم التأثير الكبير الذي تحظى به، والأدوار السياسية الهامة التي تلعبها في الساحل الإفريقي، وتحديدا في جمهوريتي مالي وموريتانيا، على غير عادة الكثير من الطرق الصوفية في تركها مزاولة السياسة بشكل مباشر، والانشغال بعزلتها الصوفية عن تصدر المجال العام أو على الأقل تجنب الظهور في الواجهات الأمامية للعمل السياسي.
ولعل هذا ما جعل بعض الدارسين يصنف هذه الطريقة على أنها “حركة إسلامية”(1)، وجعل آخر يرى أن المستعمر الفرنسي صنفها كحركة دينية سياسية تتصدر “طليعة المقاومة الثقافية والفكرية”(2) للاستعمار الفرنسي.
ومع أن هذه الطريقة في أصلها فرع من الطريقة التجانية إلا أنها بحكم الأدوار التاريخية التي لعبتها – سواء في المجال الروحي أو في تصدر الشأن السياسي – وبحكم أطروحتها المخالفة للمعهود عند التجانيين أصبحت طريقة شبه مستقلة، أو “تجانية مغايرة” – بحسب تعبير أحدهم- أو “طائفة منشقة عن التجانية”(3) – بحسب تعبير آخر- تضاهي الطرق الصوفية العريقة في المنطقة في الانتشار والتأثير مثل: القادرية والشاذلية.
فما سياق نشأة الحموية؟ وما الأسباب التي جعلتها تصطدم بالاستعمار الفرنسي؟ وما أطروحتها الدينية؟ وما تأثيرها في الواقع السياسي والاجتماعي اليوم؟ تلك بعض الأسئلة التي تسعى هذه الورقة إلى تلمس الإجابة عليها من خلال العناوين الآتية:
أولا: الطريقة الحموية: النشأة والتأثير
الحموية مشتقة من اسم مؤسسها الشيخ أحمد حماه الله بن محمد بن سيدنا عمر التيشيتي (نسبة لمدينة تيشيت في الشرق الموريتاني)، المولود في حدود سنة 1882 للميلاد في قرية أنيور المالية لأب موريتاني ينتمي للنسب الشريف، وأم إفريقية مالية من قومية الفلان.
والحموية إحدى أبرز فروع الطريقة التجانية في المنطقة (الحموية، الحافظية، الإبراهيمية). وقد أخذ مؤسسها أحمد حماه الله الورد الصوفي التجاني وهو في حدود الثامنة عشرة من عمره، سنة 1900 للميلاد عن العالم الصوفي الجزائري الشيخ سيدي محمد الأخضر(4) الذي قَدِمَ عليه في مدينة أنيور. ومن المفارقات أَنَّ جَدَّ الشيخ حماه الله المباشر سيدنا عمر كان زعيما في الطريقةِ القادريةِ، فكيف يَعْدِل حفيدُه عن طريقته إلى طريقة صوفية أخرى مغايرة؟
ليس لدينا جواب حاسم على هذا السؤال، غير أن هذا التصرف الذي قام به الشيخ حماه الله من مبايعة طريقة صوفية غير طريقة جده في مجتمع شديد التمسك بما كان عليه الآباء والأجداد إلى حد التعصب، يؤكد أنه كان مستقلا في تفكيره، ومتحررا من قيود المجتمع وسلطانه. ولعل هذا من الميزات التي جعلت الشيخ الأخضر يختاره من بين أولئك الذين حضروا مجالسه في أنيور، ليقلده زعامة الطريقة التجانية؛ رغم حداثة سنه. إضافة إلى ما لاحظه معلمو الشيخ حماه الله ومربوه من أمارات الولاية عليه في سن مبكرة(5).
ولا يعرف عن الشيخ حماه الله أنه تعمق كثيرا في دراسة علوم الدين بالطريقة الرسمية التي كانت متبعة آنذاك بالمنطقة، بل كل ما تذكره المصادر التاريخية بهذا الصدد أن والده أرسله وهو صغير إلى أرض أجداده في مدينة تيشيت ليدرس على ولد الشيخ حماه الله ولد بُويَ أحمد (الذي سيصبح فيما بعد أحد مريديه) سنة 1893م، ولم يُمْضِ أكثر من سنة حتى رجع إلى والده، فأرسله إلى شيوخ آخرين في مالي ولكنه لم يلبث مع أي منهم أكثر عدة شهور.
وبشيء من النظر والتدقيق فيما تثبته الروايات المتعددة بشأن دراسة الرجل المنظمة، يمكننا أن نستنج منها أن حصيلة دراسته على الشيوخ لم تتجاوز حفظ القرآن الكريم، وتعلم مبادئ أولية في علوم الفقه واللغة. ولكن الروايات تتفق جميعها على أن الرجل كان “يتقن اللغة العربية، بنحوها وصرفها وبيانها، كما كان يتقن البمبارية والسوننكية والبولارية والآزيرية”(6).
وإذا نحن تجاوزنا معرفته باللغات الإفريقية بحكم أن أمه إفريقية من عرقية الفلان، وأن محيطه الذي نشأ فيه محيط إفريقي في ثقافته وفي كل مناحي حياته، فمن أين له إتقان اللغة العربية لو لم يكن ذلك نتيجة دراسة وتعلم؟ لا نتحدث هنا عن معرفة بسيطة بالعربية، وإنما نتحدث عن رجل متقن لعلوم العربية من نحو وصرف وبيان.
يذكر الدكتور محمد سالم الصوفي أن حماه الله عندما نفاه المستعمر الفرنسي إلى مدينة المذرذرة في الجنوب الموريتاني والتقى بعلمائها، وجدوا أنفسهم مضطرين إلى الاعتراف له بأنه “مفسر ألمعي، ولغوي متبحر، وفقيه متمكن، ومن أكابر العلماء وجهابذة العارفين”(7). ويلاحظ الباحث الدكتور علي تراورى أن خصوم الشيخ حماه الله “في موريتانيا لم يشككوا أبدا في عمق علمه. وكانوا يعتبرونه في الآن ذاته مفسرا رائعا للقرآن الكريم، ونحويا فذا وفقيها محنكا”(8).
فمن أين لحماه الله كل هذا العلم؟، ودراسته على الشيوخ لم تتجاوز فترة وجيزة جدا وفي سن مبكر من حياته؛ لم يتجاوز محصوله العلمي فيها سوى حفظ القرآن ودراسة مبادئ في الفقه والنحو.
ليس هناك ما يمكن الجزم به بشأن تفسير هذه المسألة، ولكن بالاستعانة بما تذكره الروايات من أن حماه الله كان في غاية النباهة وحدة الذكاء، ” فكان يحفظ السورة بمجرد سماعها”، وكانت لديه “مكتبة ضخمة ومتنوعة وثرية ونخبوية تضم مختلف الفنون والعلوم من فقه وتفسير ولغة وتاريخ ومنطق”(9)، وتحوي 1757 كتابا(10).
بالاستعانة بهذه الروايات. يمكن القول: أن ذكاء حماه الله ربما يكون هو الذي منحه القدرة الذاتية على تعليم نفسه بنفسه وتعويض ما فاته من تحصيل علمي على يد الشيوخ، فانكب على مكتبته الضخمة بحثا ومطالعة، فكان ذلك سببا في تكوينه الذاتي وبنائه العلمي المتين.
هذا هو التفسير الأقرب عندنا للقضية، وهناك تفسير آخر يرى أن علم الشيخ حماه الله علم وهبي أو “علم لدني”، وهذا التفسير هو الذي جنح له أغلب أتباع الشيخ ولديهم قصصهم التي يروونها بهذا الشأن، والتي تتحدث عن كرامات الشيخ وعن الخوارق التي ظهرت له.
كان حماه الله إلى جانب ذكائه المفرط وثقافته الواسعة، يتمتع بصفات قيادية عالية وبجاذبية فريدة، وفي هذا السبيل نجد شهادة المؤرخ الفرنسي “بول مارتي” المشهور بدراساته عن الساحل الإفريقي حيث يقول: “إن تأثير الشريف حماه الله هو تأثير عظيم، والتقدير الذي يتمتع به هو تقدير خارق للعادة بالنسبة إلى شاب مثله”(11)، كما كان زاهدا متواضعا وكريما معطاء، يفرق كل ما يجده على أتباعه ومريديه.
وقد منحه انتماؤه الاجتماعي الممتزج بين قومية البيضان وقومية الفلان مقبولية في مجتمعه، فهو من ناحية شريف – والمعروف عن المجتمعات الإفريقية أنها تمنح للشرفاء التقدير الكبير- ومن ناحية أخرى له خؤولة من عرقية الفلان وهي من أكثر القوميات انتشارا وتمددا ليس في الساحل الإفريقي فقط، بل في إفريقيا كلها، وتمثل حوالي نسبة 11% من سكان جمهورية مالي(12).
وهكذا نرى أن موقع حماه الله الاجتماعي، إلى جانب شخصيته الجذابة وصفاته القيادية العالية وثقافته الواسعة ومعرفة الجيدة لِلُغَاتِ قومه، كانت من أكبر العوامل التي مكنته من التأثير الروحي والسياسي في مجتمعه –رغم حداثة سنه- ونشر طريقته التي عمَّت مختلف المناطق في وقت وجيز، فبايعه “علماء وشعراء وفقهاء ولاته وكيهيدي وتيشيت بموريتانيا، ونيورو والمرضية وبانمبة بمالي”، ومن هؤلاء العلماء الذين بايعوه : الشيخ محمد الدكوري ، والشريف ملاي إدريس البانمبي – وهو من أكثر العلماء احتراما في مالي – ومحمد يحي بن محمد المختار الولاتي – وهو من كبار علماء موريتانيا الذين يتمتعون بشهرة وصيت كبير- ومحمد المختار ولد أمباله عالم تشيت الكبير، وغيرهم، كما انضم إلى طريقته العالم الغيني الكبير “تييرنو علي بوبا ديان”(13).
ومما يؤكد على القوة والتأثير التي اكتسبتها الطريقة الحموية أن أتباع الطريقة الحافظية -وهي فرع من التجانية أسسها الشيخ محمد الحافظ العلوي الشنقيطي – أضحوا متضايقين من هيمنة الحموية واكتساحها للمنطقة، مع أن مؤسس الحافظية أخذها بشكل مباشر عن الشيخ أحمد التجاني، والشيخ حماه الله أخذ الطريقة بواسطة سيدي أحمد الخضر عن سيدي الطاهر بوطيبة التلمساني عن الشيخ أحمد التجاني. ولعل المقطوعة الشعرية التي قالها العالم الصوفي محمد فال بن بابه العلوي (توفي 18 ديسمبر 1930م) في إطار السجال بين أتباع الطريقتين، وقال فيها مخاطبا الحمويين:
إن كان شيخكم في رأيكم قمرا * فإن شيخهم في رأيهم قمر
ويعني بالضمير في “شيخهم” بعجز البيت: “الحافظيين”.
لعل هذه المقطوعة تعبر عن هذا التضايق الذي يحصل بين الطوائف حتى ولو كان مشربها واحدا، وربما يحمل هذا التعبير الوارد في هذا البيت نوعا من الانزعاج أمام الطريقة الحموية، بل إن الطموح الحموي لاحتواء فروع التجانية في المنطقة والهيمنة عليها يجد التعبير عنه بشكل أكثر صراحة في مقطوعة شعرية للشيخ محمد عبد الله بن محمد المختار بن محمد يحيى الولاتي (ت 1990م)، التي ربما شكلت جزءا من السجال الشعري بين الحموية والحافظية، والتي دعا فيها الحافظيين بشكل صريح إلى ترك طريقتهم ومبايعة الطريقة الحموية، حيث يقول:
الحافظيون همُ أهل الهدى قدما * وكلهم في طريق شيخنا قمر
لكن حمى اللهِ شمس أفقه فُقدتْ * بِيُمْنِ مظهره بالفيض تفتخرُ
والرشد عندي لأهل الورد بيعته مجددين كما في كتبهم أُمِروا(14).
ثانيا: من مقاومة المستعمر إلى حرب أم إشكاك
يرتبط تاريخ الحموية في أذهان سكان المنطقة – سواء من أنصارها أو من خصومها- بمحطتين بارزتين في تاريخ هذه الطريقة الصوفية، كان لكل منهما تأثيرها العميق على واقع المنطقة وعلى علاقة هذه الطريقة بالناس وموقفهم منها دعما وتأييدا، أو هجرانا وصدودا. هاتان المحطتان هما: الموقف الرافض للمستعمر، وحرب أم إشكاك (بكاف معقودة) أو الواقعة بين الحمويين وبين تنواجيو قبيلة العالم الموريتاني إِفَّاهْ ولد الشيخ المهدي وتلامذته وأنصاره.
الموقف الممانع ضد المستعمر الفرنسي
على عكس الكثير من الطرق والمشيخات الصوفية في جمهورية مالي وما جاورها، لم تكن الطريقة الحموية بزعامة الشيخ أحمده حماه الله مجرد حضرة صوفية سلبية تسير حيث سار التيار، وتساند كل من فرض سيطرته بالقوة – بغض النظر عما يمثله من قوة الحق-، بل كانت هذه الطريقة إلى جانب وظائفها الروحية طريقة منظمة، ولها أطروحات ومواقف اجتماعية وسياسية. وقد حارب المستعمر الفرنسي زعيمها “لأن أفكاره وتطلعاته تتعلق بتصور معين للإسلام لا يمكن التوفيق بينه وبين الاستعمار. لقد بدا الشيخ حماه الله في عيون الحكام الاستعماريين رجلا وطنيا، وقد تمت معاملته على ذلك الأساس”(15).
ومع أن الكثير من الشيوخ في المنطقة؛ سواء الزعماء التقليديون منهم (زعماء القبائل) أو الزعماء الروحيون (رجال الدين) جنحوا لمسالمة المستعمر والخضوع له، بل والتودد له في الكثير من الحالات، إلا أن الشيخ حماه الله -إلى جانب عدد قليل من الزعماء- كان لهم طرح مغاير يرى ضرورة مقاطعة المستعمر الفرنسي وعدم الخضوع له، فكانت شكيمة حماه الله وأنفته تثير غضب المستعمرين، كما عبر عن ذلك الحاكم الفرنسي، بقوله: “إن الشريف حماه الله يستجيب فورا إذا ما استدعيناه؛ ولكني لم أكن لأراه لو لم أستدعه. لقد كان علي أن أدعوه لمناسبة تسلمي مهامي، ولكن كان من العادة أن يحضر كل الأشراف -النبلاء- دون استدعاء لمثل هذه المناسبات. ولمناسبة رأس السنة لم يحضر لتقديم السلام -التهنئة- وحين عبرت له -لاحقا- من خلال مترجم عن دهشتي لغيابه، كان رده أنه يجهل [مواعيد حلول] الأعياد الفرنسية”(16).
ومع أن موقف حماه الله الرافض للمستعمر لم يتجسد في مقاومة مسلحة -على الأقل بشكل مكشوف وواضح- وإنما كان حماه الله يقاوم المستعمر الفرنسي مقاومة ثقافية تمثلت في مقاطعة المدارس الفرنسية ورفض هدايا المستعمر، وكشف الغطاء عنه، والتصريح بعدم شرعية وجوده على أراضي المسلمين، بل وحتى في مقاطعة الشاي وترك شربه، وقد كانت الشركات الأوربية بما فيها الشركات الفرنسية هي التي تستورد الشاي وتبيعه في المنطقة. ومع هذا الموقف السلمي الرافض للعنف إلا أن الرجل لم يسلم من أذية المستعمر ومضايقتهم له، بل إنه دفع ضريبة مواقفه الْمُقَاوِمَةِ والرافضةِ للاحتلال الفرنسي؛ رغم أنه كان يدفع الضرائبَ التي يفرضُها عليه المستعمر بانتظام وكان حريصا على تهدئة أصحابه وعدم إثارة العنف، إلا أن هذا لم يمنع المستعمر من التضييق عليه، وسجنه عشر سنوات، ما بين 1925 إلى 1935، تم نقله خلالها إلى مدينة المذرذرة في الجنوب الغربي الموريتاني ومنها إلى سان لويس في الشمال السنغالي ثم إلى آدزويه في ساحل العاج حيث قضى هناك السنوات الأخيرة من محكوميته.
وتشير الوثائق الفرنسية – كما يذكر علي تراورى- إلى الدور التحريضي الذي كان يقوم به بعض الوشاة من رجال الدين ضد الشيخ حماه الله، لما رأوا في طريقته أنها تسلبهم سلطانهم وتحدُّ من تأثيرهم الديني. وقد كان هذا الدور التحريضي الذي قام به بعض رجال الدين من المسوغات الرئيسية التي دفعت إدارة المستعمر لاعتقال الرجل والتنكيل به(17).
حرب أم إشكاك؟
مع ما ذكرناه من الانتشار السريع للطريقة الحموية ، ومن احتفاء العديد من النخبة بها ومبايعتهم لها، إلا أن الحموية لم تسلم من النقد، فقد كانت هناك زعامات دينية تعارضها وترى في نهجها أنه نهج مبتدع وخارج عن تعاليم الدين الإسلامي، ومن أبرز هذه الزعامات الفقيه الموريتاني الشيخ إِفَّاهْ ولد الشيخ المهدي الذي قاد حراكا دينيا مناهضا للحموية، وقام هو وأتباعه بمساجلات فقهية مع أنصار الحموية، تطورت هذه المساجلات إلى حَدِّ التكفير المتبادل بين الطائفتين لبعضهما البعض، وتم صياغة بعض هذه المساجلات والردود المتبادلة في مقطوعات ساخرة من الأدب الشعبي الموريتاني.
ولم يكن الأمر ليقف عند هذا الحد بل سرعان ما تطورت هذه التجاذبات والخلافات المذهبية الحادة بين الفريقين إلى احتكاكات، كانت بدايتها سنة 1938 بسبب شجار بسيط وقع بين أحد أنصار الحموية يدعى ببالي بن مولاي إدريس ورجل من أنصار إِفَّاهْ ولد الشيخ المهدي، عند بئر قرية آكواوين. هذا الشجار البسيط سرعان ما تحول إلى نزاع بين الطرفين تم فيه اعتقال ببالي ولد مولاي إدريس والابن الأكبر للشيخ حماه الله (بابا) ومصادرة ما كان بحوزتهما من جمال وممتلكات، وفرار رفاقهما.ورغم أن الشيخ حماه الله عندما علم بالخبر تأسف له كثيرا، وأَنَّبَ ابنه بابا وحذره من مثل هذه الاحتكاكات،
إلا أن بابا الذي يرى أنه أهينت كرامته كان يضمر في نفسه الانتقام. كان الشيخ حماه الله ضد العنف لأنه يدرك أن المستفيد الوحيد منه هو إدارة المستعمر الفرنسي. وقد مثلت حادثة آكواوين الشرارة التي فجرت الصراع والعداء بين أتباع الحموية وأتباع إِفَّاهْ، هذا الصراع الذي نتجت عنه حرب إشكاك الشهيرة. ومع أن الروايات الشعبية تبالغ كثيرا في وصف هذه الحرب ونتائجها، إلا أن هذه الحرب مثلت حدثا بارزا في تاريخ المنطقة؛ كانت له تأثيراته الكبيرة على العلاقات الاجتماعية بين بعض القبائل الموريتانية.
تقول الرواية: إن بابا ولد حماه الله -الذي كان يشعر بأنه أهينت كرامته في حادثة آكواوين انطلق في جمع من أنصار الطريقة الحموية في حدود ألف رجل من قبائل موريتانية مختلفة، وقد حرص بابا على إخفاء هذا الأمر عن والده الذي كان نهاه عن مثل هذه الاحتكاكات.
وفي فجر 28 من أغشت 1940 قام رجال بابا بمجزرة في أحياء قبيلة تنواجيو (أهل وأنصار إِفَّاهْ ولد الشيخ المهدي)، ووصل نبأ هذه المجزرة إلى سلطات المستعمر الفرنسي وإلى الشيخ حماه الله الذي تبرأ من هذه المجزرة ومن القائمين بها، فكتب: “إنني شاهد لله في الأرض، ولا يجوز لشاهد لله أن يقوم في أرض الله هذه بما لا يرضى الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، فلا ينبغي له أن يقيم مع أشخاص ينوون الفتنة أحرى أن يكونوا محرضين عليها، ويدفعون الناس في هذا الطريق أو يجمعونهم لذلك الغرض، أرجو الله أن يعصمني من ذلك المسعى وأن يمنحني السعادة، والله يعلم أنني لا أسلك أبدا هذا الطريق، وأنني لم أحاول في أي وقت القيام بغير ذلك، ولن أقوم بأعمال كهذه حبا للدنيا، كما أنني لن أقوم بها حبا لابن أو زعيم قبلي إذ أنني أتبرأ من كل شيء ولا أبغى إلا وجه الله ورسوله…”(18).
إلا أن هذا الاعتذار لم يشفع للشيخ حماه الله، فقد حَمَّلَتْهُ سلطات المستعمر الفرنسي -التي كانت الخصمَ والحكمَ في نفس الوقت- المسؤولية الكاملة عن هذه الأحداث، وقامت باعتقاله يوم 19 يونيو 1941م، ليتم ترحيله إلى السنغال ثم إلى الجزائر، ومنها إلى فرنسا، حيث تم إعلان وفاته هناك بعد تدهور صحته سنة 1943م في مستشفى مونليسون Montluçon.
وبالتزامن مع اعتقاله تم اعتقال حدود خمسمائة من أتباعه مات أغلبهم في السجون، كما تم نهب بيوته وإخراج نسائه من إقامتهن التي لم يكن يخرجن منها، وقُتِلَ ابناه: بابا والشيخ سيد أحمد مع العديد من أتباعه رميا بالرصاص(19).
ثالثاً: الأطروحة الحموية:
تتميز الطريقة الحموية عن غيرها من الطرق الصوفية بشكل عام، وفروع الطريقة التجانية بشكل خاص بثلاث مسائل أساسية، وهذا ما جعل بعض الدارسين يرى أنها طريقة جديدة تختلف عن التجانية أو أنها “تجانية مغايرة” بحسب تعبير أحدهم، مع أن الحموية تؤكد أنها فرع من التجانية.
أول هذه المسائل التي تختلف فيها الحموية عن فروع التجانية الأخرى، هي ما يتعلق بعدد المرات التي ينبغي أن تتلى بها صلاة الجوهرة، حيث تعتمد سائر فروع التجانية تلاوتها اثنتي عشرة مرة ولذلك سميت بـ”التجانية الاثنا عشرية”، في حين يرى الحمويون تلاوتها إحدى عشرة مرة فقط ولهذا يسمون بـ”التجانية الإحدى عشرية”. وقد دار جدل واسع بين التجانيين حول هذه القضية، ولكن الشيخ حماه الله الْمُصِرِّ على رأيه في القضية أوضح أن رأيه هو المنصوص عليه في كتاب “جواهر المعاني” للشيخ أحمد التجاني، وأن أتباع التجاني حرفوا ذلك بهذه الزيادة، وهو يريد أن يردهم إلى تعاليم التجاني الأصلية كما هي منصوصة في كتبه، وليس هدفه تحريفها أو تبديلها؛ بالنقص منها أو الزيادة فيها، وإنما هو متبع وليس بمبتدع، ولكنه متبع مبصر، يسعى إلى إعادة الطريقة إلى جذورها الأولى ونفي ما اعتراها من تحريف وتبديل.
وفي هذا يقول حماه الله في نص له ثمين: “إنني لم أدخل شيئا ولم أبدل شيئا على الطريقة التجانية نجاني الله العظيم من محاولة كهذه، بل إنني على العكس من ذلك أطلب منكم التقيد الصارم بأوامر كتاب “جواهر المعاني” فهو – وحده – بقراءته والتأمل فيه الذي ينبغي أن يرشدكم في دينكم ودنياكم بعد القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم”(20).
المسألة الثانية التي تخالف فيها الأطروحة الحموية هي: صلاة القصر أو القصر في الصلاة، فعند عودة الشيخ حماه الله إلى أنيور من سجنه الذي قضى فيه حدود عشر سنوات بدأ يُقصِّر صلاتَه، وقد كانت هذا الخطوة مُوَجَّهَةً بالأساس للمستعمر الفرنسي، وتحمل دلالات سياسية وليست مجرد مسألة دينية. فإذا كان القصر في الصلاة في الشريعة الإسلامية يشرع في حالتي: السفر والجهاد فإن الشيخ حماه الله كان يعني هذه الحالة الأخيرة بالذات، وقد أشار في ذلك لأتباعه فنبهم إلى أن البلاد لا يتوفر فيها الأمن وأنها في حالة خوف دائم في ظل المستعمر الفرنسي.
ومع أن هذه الخطوة كانت من أجل مواجهة ظرف سياسي معين، إلا أنها اكتسبت عند بعض الحمويين صفة التأبيد، فلم يتركوا القصر في الصلاة بعد زاول أسبابه، وهي وجود المستعمر وانعدام الأمن، بل ما زالوا يقصرون الصلاة حتى يوم الناس هذا، ولا يقيمون صلاة الجمعة.
والمسألة الثالثة هي ما يمكن أن نطلق عليه ميثلوجيا الغائب المنتظر، حيث يعتقد الحمويون أن الشيخ حماه الله -الذي اعتقله المستعمر الفرنسي سنة 1941م وأعلن وفاته في مونليسون سنة 1943م لم يمت، وإنما هو غائب وسيعود وهم بانتظاره. وفي مقابلة لزعيم الطريقة الحالي ولد الشيخ حماه الله مع قناة الساحل الموريتانية سنة 2013م أكد على تمسكهم بفكرة عودة أحمد حماه الله، وقال: إن هذا هو المعتقد الرسمي للحموية(21).
وفكرة الغيبة مستوحاة من فكر الشيعة الإمامية التي ترى هي الأخرى أن محمد بن الحسن العسكري اختفى في السرداب، وأنه هو الإمام المنتظر الذي سيملأ الأرض عدلا وقسطا بعد عودته.
ويرى الفيلسوف المغربي الراحل محمد عابد الجابري أن فكرة “المهدي” أو الغائب المنتظر “ليست فكرة دينية وإنما هي وسيلة لرفض الهزيمة والانهيار، وسيلة للتمسك بالأمل. إن الضعفاء وبسطاء الناس يربطون مطامحهم وآمالهم بأشخاص بـ”رموز”، والتمسك بالأمل والرجاء في التخلص من الظلم يقتضيان التمسك بالرمز بعناد، فالظلم واحد في جميع الأزمان، والأمل في الخلاص واحد في جميع العصور”(22).
وهذا ما نرى أنه هو الذي حرك الحمويين للتمسك بعودة الشيخ حماه الله والقول بأنه لم يمت، ولكن هذا التوجه الذي كان من أجل مواجهة ظرف معين – من أجل رفع التحدي في وجه المستعمر الفرنسي – تحول مع مرور الزمن إلى عقيدة ثابتة؛ مثله مثل صلاة القصر، يسيء للحموية ولرموزها من يشكك فيه.
رابعا: الحموية والسياسة:
شهدت الحموية بعد نفي زعيمها المؤسس الشيخ حماه الله والتنكيل بأتباعه فترة انقطاع دامت أكثر من عقدين من الزمن، وقد عرفت هذه الفترة -وخصوصا في العقد الأول منها- عمليات عسكرية مسلحة ضد الفرنسيين قام بها بعض أتباع الحموية في ساحل العاج وفي موريتانيا، وكان من أشهر الزعماء الذين قادوا هذه التحركات يعقوب سيلا المقدم الحموي العاجي، الذي أصبح فيما بعد له طريقة تنسب إليه، تدعى اليعقوبية. وإذا كانت الحموية قد عرفت سباتا بعد نفي مؤسسها في العهد الاستعماري فإنها عادت اليوم إلى قلب النشاط الديني والسياسي. ويتمتع زعيمها الحالي بنفوذ كبير في كافة أرجاء مالي لاسيما في مدينته نيور وخاي وسيجو وباماكو.
لقد تمكّن محمدُّ ولد الشيخ حماه الله (ولد سنة 1938م أي قبل 3 سنوات من نفي والده) في سبعينيات القرن الماضي من إعادة تأسيس هذه الطريقة من جديد وجمع أتباعها حوله، ونشرها بشكل واسع، وذلك بفضل حنكته وسمعة والده، بالإضافة إلى زيجاته المتعددة التي أدخلت إلى الطريقة عشرات العائلات أو حتى قبائل بأجمعها(23)، وبهذا أصبح هو ثاني زعيم لهذه الطريقة. وتحولت الطريقة الحموية على يديه من طريقة صوفية مقاومة للمستعمر إلى طريقة صوفية لها تأثيرها الكبير وحضورها الطاغي في المشهد السياسي في جمهورية مالي، وفي الجمهورية الإسلامية الموريتانية بنسبة أخف؛ حيث يعتبر موقف ولد الشيخ حماه الله في مدينة كوبني الموريتانية وما جاورها حاسما في أي تحالف سياسي.
ولهذا دأب النظام الموريتاني على خطب وِدِّه من أجل الحصول على دعمه السياسي، وقد التقى الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز بولد الشيخ حماه الله ثلاث مرات وطلب منه الدعم، كانت أولى هذه اللقاءات بعد الحصار الداخلي والخارجي الخانق الذي تعرض له ولد عبد العزيز بعد انقلابه على الرئيس سيد محمد ولد الشيخ عبد الله سنة 2008.
وقد خاض ولد الشيخ حماه الله سنة 2013 في مقاطعة كوبني منافسة قوية مع الحزب الحاكم في موريتانيا عندما رَشَّحَ له الحزب شخصا غير مرغوب عنده ، ونتج عن هذا التجاذب أزمة في العلاقة بينه وبين النظام الموريتاني، اضطر على أثرها هذا الأخير إلى السعي لترضية ولد الشيخ حماه الله والاعتذار له عن التجاوزات التي تمت بحقه، حين وجد نفسه خلال التعديلات الدستورية سنة 2017 محتاجا لدعمه من أجل تمرير التعديلات، فأرسل له وفدا في مقر إقامته بمدينة أنيور في مالي يترأسه رئيس الوزراء السابق يحيى ولد حد أمين، ويضم وزير الداخلية حينها أحمدُ ولد عبد الله.
وعَبَّرَ ولد الشيخ حماه الله للوزيرين خلال لقائه بهما عن استيائه من مواقف النظام ضده، وأنه لا يعرف “سببها لكنه يعرف ملامحها، فقد زار الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز باماكو وهو مريض (أي محمدُ)، ولم يكلف نفسه بالسلام عليه أو الاطمئنان على حاله، كما نقل إلى المغرب في وضعية صحية معروفة لدى الجميع، وعاد منه، وأول وفد يأتيه من النظام هو الوفد الحالي”(24).
وأضاف ولد حماه الله في حديثه لضيفيه: “إن أي حاجة تخصكما فهي مقضية عندي، أما إذا تعلقت بشخص آخر فذلك مختلف”، وقد فُهِمَ من هذا التلميح أن المراد بالشخص الآخر هو الرئيس الموريتاني ولد عبد العزيز، بل إنه هو نفسه أوضح ذلك عند ما أضاف: “إنني شخص من دولة مالي ولا حاجة لي بولد عبد العزيز فإذا كانت الحاجة تخصه فليتصرف بنفسه”. وقد فهم الوفد من حديث ولد حماه الله أنه لا يقبل التراجع عن موقفه إلا إذا قدم إليه ولد عبد العزيز شخصيا(25).
غير أن الذي يظهر من تصرفه بعد ذلك أنه قال هذا الكلام وهو في لحظة غضب وانفعال، أو أنه لم يكن هدفه من تصرفه سوى إيصال رسالة احتجاج للنظام على أخطائه التي ارتكبها بحقه، وليس هدفه أنه لن يساند النظام. ويدعم هذا التحليل أنه جمع أنصاره بعد مغادرة الوزيرين، وقال لهم: “الحكومة الموريتانية أرسلت لي شخصين من الأشخاص المقربين مني، أحدهم بمثابة ابني (يقصد وزير الداخلية) والآخر أحترمه وقدم لنا خدمات كثيرة خلال فترته وزيرا للنقل (يقصد ولد حد أمين)، ويجب أن نلبي مطالب هؤلاء الأشخاص الأعزاء”(26).
وفيما يتعلق بتأثير الطريقة الحموية في جمهورية مالي، فإن التيارات الدينية بمختلف توجهاتها ومشاربها الفكرية تعد من أكبر الفاعلين في هذه الجمهورية في المجال الديني والاجتماعي والسياسي، لا سيما الطرق الصوفية منها والطريقة الحموية بالذات؛ حيث يحظى زعيم هذه الطريقة بتقدير كبير لدى السلطات المالية ولدى الأطياف السياسية بشكل عام، وتعتبر مواقفه السياسية مؤثرة في المشهد السياسي المالي.
وقد بدأ محمدُ ولد الشيخ حماه الله مساره السياسي في مالي كمعارض للنظام أو على الأصح كزعيم متوجس من النظام الحاكم وغير راض عن العملية التي تدار بها السلطة، حيث يرى “شريف أنيور” -كما يلقبونه في مالي- أن بداية اهتمامه بالسياسة كانت مع مجيء الرئيس آلفا عمر كوناري، الذي أَلَّبَ عليه الجيش والسياسيين والرأي العام، بسبب علاقته بالجنرال موسى تراورى. وهذا ما دفعه لمعارضته.
ولم تكن علاقة “شريف أنيور” بخليفة كوناري (آمادو توماني تورى)، أحسن من سابقتها، بل إن العلاقة بينهما شهدت توترا كبيرا بعد مساعي تراورى لفرض مدونة للأحوال الشخصية سنة 2009 مخالفة للشريعة الإسلامية، وقد عارض ولد الشيخ حماه الله بقوة -ضمن قوى دينية أخرى- هذه المدونة، وشارك في مسيرة حاشدة مع هذه القوى التي أرغم احتجاجها تراورى على التراجع عن المدونة. كما دعم ولد الشيخ حماه الله الانقلاب الذي قام به ضباط في الجيش المالي ضد الرئيس تراورى يوم 21 مارس /آذار 2012(27).
وعارض الرجل التدخل العسكري الفرنسي في مالي سنة 2013 في بداية الأمر، ثم رجع عن هذا الموقف بعد ذلك، ودفع 25 مليون فرنك إفريقي للحكومة المالية (أكثر من 43 ألف دولار)، كمساهمة في دعم الجيش المالي في عملياته العسكرية ضد الجماعات المسلحة(28)، كما دعم “شريف أنيور” الرئيس الحالي إبراهيم بوبكر كيتا في انتخابات 2013، وظل طيلة مأموريته على وفاق معه، لكن خلافات حادة وقعت مؤخرا بينهما، بسبب ما يعتبره ولد الشيخ حماه الله عدم التزام من الرئيس كيتا بشرط تقدم به ولد الشيخ حماه الله لكيتا يتعلق بعدم الاستعانة بسوميلو بوبو ميغا آخر وزير دفاع للرئيس توري في الحقائب الوزارية الكبرى. هذه الخلافات الحادة بين الرجلين جعلت ولد الشيخ حماه الله يقطع حباله مع كيتا ويتوجه إلى معارضته.
سعى الرئيس كيتا لرأب الصدع الذي نشأ في علاقته مع ولد الشيخ حماه الله، حيث استغل وفاة إحدى زوجاته نهاية شهر يناير /كانون الثاني 2018، وجاء لتعزيته على رأس وفد سياسي وديني كبير(29). غير أن شريف أنيور -الذي يبدو أنه كان غاضبا على كيتا- أكد لزعيم المعارضة سوميلا سيسي -الذي جاءه هو الآخر يطلب دعمه في الانتخابات- أكد له أن القطيعة بينه وبين كيتا نهائية، قائلا له إن معارضة كيتا الآن قاسم مشترك بينهم(30)، وذلك قبل أن يعلن دعمه لرجل الأعمال المنحدر من مدينة خاي علي بوبكر جالو(31).
ورغم أن الحموية لم تتمكن من هزيمة الرئيس كيتا في انتخابات يوليو 2018، إلا أنها ظهرت في هذه الانتخابات ككتلة سياسية بارزة في الساحة المالية، وحَلَّ مرشحها في المرتبة الثالثة بنسبة 7.95% في هذه الانتخابات التي كان يتنافس عليها 24 مرشحا من مختلف القوميات.
خاتمة
إن الطريقة الحموية إلى جانب التقدير الكبير الذي يحظى به زعيمها في داخل مالي – حيث مقر الطريقة ومكان نشأتها ومولد مؤسسها- وفي موريتانيا حيث امتدادات الطريقة والجذور التاريخية والاجتماعية لمؤسسها، فإن زعيم هذه الطريقة يحظى كذلك بتقدير كبير في الجوار الإقليمي، ولا ننسى أن ملك المغرب محمد الخامس أرسل طائرة خاصة لولد الشيخ حماه الله خلال مرضه في أغسطس /آب 2016 لنقله للمغرب وتكفل بعلاجه، وكان الملك يزوره باستمرار(32).
إلى جانب هذا هناك ملاحظة مهمة وهي: أن ولد الشيخ حماه الله لا يضع أي اعتبار للخلافات السياسية بين الأنظمة ومعارضيها؛ ويتعامل مع الجميع كرجل جامع يتعالى على الخلاقات السياسية ، ففي الوقت الذي كان الرجل يرتبط فيه بعلاقات وثيقة مع الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز كان في نفس الوقت يرتبط بعلاقات وثيقة مع أشرس معارضيه رجل الأعمال الموريتاني المقيم في الخارج المصطفى ولد الإمام الشافعي، وقد حضر ولد الشيخ حماه الله حفل عشاء دعاه له ولد الشافعي في المغرب، كما استقبل وفدا مبعوثا من طرفه للتعزية في وفاة ابنه. وظل ولد الشيخ حماه الله يستقبل باستمرار وفود المعارضة الموريتانية في الداخل والخارج كما يستقبل وفود النظام. وكان هذا هو شأنه أيضا مع الأطراف السياسية في مالي؛ سواء منها تلك التي في السلطة أو تلك التي في المعارضة.
__________________________________
*المصدر: مركز الجزيرة للدراسات.
__________________________________
مراجع:
(1)- الدكتور علي تراورى، الإسلام والاستعمار في إفريقيا.. الشيخ حماه الله رجل الدين والمقاومة، ص 8.
(2)- الدكتور أحمد ولد نافع، التصوف “المجاهد” في غرب إفريقيا.. الحموية نموذجا. (نسخة شخصية من هذا المقال).
(3)- الدكتور علي تراورى، مرجع سابق، ص101
(4)- هو الشريف سيد محمد الأخضر بن عبد الله الذي نقل الطريقة الحموية إلى حمى الله، مبعوثا إليه من الجزائر من طرف شيخه الشيخ سيد الطاهر التلمساني خليفة الشيخ أحمد التجاني.
(5)- قاسم حاجي: مقومات الوحدة والتضامن في الطرق الصوفية، بحث منشور في العدد 7 من مجلة المغرب الإفريقي، ص27.
(6)- الدكتور محمد سالم الصوفي، الشيخ حماه الله المقاومة والنهج الفريد، مطابع القاهرة، 2016، ص 16.
(7)- الدكتور محمد سالم الصوفي، مرجع سابق، ص23
(8)- الدكتور علي تراورى، مرجع سابق، ص 85.
(9)- الدكتور محمد سالم الصوفي، مرجع سابق، ص16 و22
(10)- الدكتور علي تراورى، مرجع سابق، ص85
(11)- الدكتور علي تراورى، مرجع سابق، ص94
(12)- عبد الله مامادو باه، العلاقة بين الأقوام والأعراق في مالي، بحث منشور ضمن كتاب مالي: عودة الاستعمار القديم، ص20
(13)- الدكتور علي تراورى، مرجع سابق، ص120 – 12.
(14)- من الحافظية إلى الحموية، موقع مركز الدراسات الولاتية، منشور في 13 أكتوبر 2013، تم التصفح في 28 يناير 2019:
(15)- الدكتور علي تراورى، مرجع سابق، ص 9.
(16)- محمد عبد الرحمن ولد الدنبحة: من ”نورو” إلى ”جبل النور”.. معا على آثار الشريف حماه الله، موقع المنارة والرباط منشور في 13 يناير 2014، تم التصفح في 28 يناير 2019:
(17)- الدكتور علي تراورى، مرجع سابق، ص 175.
(18)- الدكتور علي تراورى، مرجع سابق، ص 246.
(19)- راجع تفاصيل حادثة آكواوين وحرب أم أشقاق واعتقال حمى الله وسجن أتباعه ومقتل أبنائه الدكتور علي تراورى، الإسلام والاستعمار في إفريقيا.. الشيخ حماه الله رجل الدين والمقاومة، ص 235 – 257.
(20)- الدكتور علي تراورى، مرجع سابق، ص 102.
(21)- برنامج لقاء الساحل مع الشيخ محمدو ول شيخنا أحمد حماه الله، عند الدقيقة 11، منشورات موقع بلوار ميديا بتاريخ 14 يوليو 2013، تم الاستماع في 22 يناير 2019:
https://www.youtube.com/watch?v=A54upCEg_1g
(22)- الدكتور محمد عابد الجابري، العقل السياسي العربي: محدداته وتجلياته، ص 288.
(23) – انظر:
Hamadou BOLY, Le soufisme au Mali du 19eme siècle à nos jours, p. 197
(24)- ولد الشيخ حماه الله : يرفض تغيير العلم وينتقد تعامل الرئيس والحكومة، موقع زهرة شنقيط، منشور بتاريخ 30 أبريل 2017، تم التصفح في 25 يناير 2019:
http://www.zahraa.mr/node/12059
(25)- ولد الشيخ حماه الله يطلب حضور ولد عبد العزيز، وكالة كيفة للأنباء، منشور بتاريخ 2 أيار (مايو) 2017، تم التصفح في 24 يناير 2019:
http://kiffainfo.net/article18145.html
(26)- تفاصيل لقاء الوفد الحكومي وولد الشيخ حماه الله، الأخبار إنفو منشور بتاريخ 30 أبريل 2017، تم التصفح في 24 يناير 2019:
http://alakhbar.info/?q=node/299
(27)- سيد ولد عبد المالك: فاعلية الصحوة الإسلامية في مالي، (نسخة شخصية من هذا المقال).
(28)- وكالة كيفة للأنباء، منشور بتاريخ 23 كانون الثاني (يناير) 2013، تم التصفح في 24 يناير 2019:
http://www.kiffainfo.net/article2684.html
(29)- انظر
À Nioro, le Chérif BOUYÉ HAÏDARA a réaffirmé son soutien au Président Ibrahim Boubacar KÉÏTA, Farafinet TV, Ajoutée le 27 janv. 2018, vu le 27 janvier 2019:
https://www.youtube.com/watch?v=24UUAsF9Y6o
(30)- انظر:
Le Chérif de Nioro remonté contre IBK, reçoit Soumaila Cissé, Contact maliweb.net, Ajoutée le 1 juin 2018, vu le 27 janvier 2019:
https://www.youtube.com/watch?v=Ee-zOu5mieM
(31)- شيخ الطريقة الحموية ولد حماه الله يعلن اسم مرشحه لرئاسة الجمهورية، موقع الوسط منشور بتاريخ 7 يوليو 2017، تم التصفح في 24 يناير 2019:
http://www.elwassat.info/index.php/3amme/13037-2018-07-07-07-55-16
(32)- تماثل شيخ الطريقة الحموية محمدو ولد شيخنا للشفاء، موقع القافلة، منشور بتاريخ 9 أغسطس 2016. تم التصفح في 20 يناير 2019: