في المعنى(3)
وقال لي: مَعْناكَ أقوى من السماءِ والأرضِ.
وقال لي: مَعْناكَ يُبصِرُ بلا طرفٍ ويسمعُ بلا سمعٍ.
وقال لي: مَعْناكَ لا يسكن الديارُ ولا يأكل من الثِّمارِ.
وقال لي: مَعْناكَ لا يُجِنُّهُ الليلُ ولا يَسرحُ بالنَّهارِ.
وقال لي: مَعْناكَ لا تُحيطُ بهِ الألبابُ ولا تتعلَّق بهِ الأسبابُ.
وقال لي: هذا مَعْناكَ أنا خلقتُهُ، وهذه أوصافه أنا جعلتُه، وهذه حِلْيَتُه أنا أثبتُّه وأنا جوّزتُه.
وقال لي: إن لم أنتصرْ بك لم تثبُتْ، وإن لم تثبُتْ لم أتعرَّفْ إليكَ.
وقال لي: اذكرْني تعرْفني وانصُرْني تشهَدْني.
وقال لي: أنا القريبُ فلا بيانَ قربٍ، وأنا البعيدُ فلا بيانَ بُعْدٍ.
وقال لي: أنا الظاهرُ لا كما ظَهَرَتِ الظواهرُ، وأنا الباطنُ لا كما بَطُنَتِ البواطِنُ.
وقال لي: تعلَّم العلمَ لوجهي تُصِبِ الحقَّ عندي.
وقال لي: إذا أصبتَ الحقَّ عندي أثْنَيْتُ عليكَ بثنائي على نفسي.
* * *
في الحضرة(4)
وقال لي: الإسمُ ألفٌ معطوفٌ.
وقال لي: العلمُ من وراءِ الحروف.
وقال لي: الحضرةُ تُحرِقُ الحرفَ، وفي الحرف الجهل والعلم، ففي العلم الدنيا والآخرة وفي الجهل مطلع الدنيا والآخرة، والمطلع مبلغ كل ظاهر وباطن والمبلغ محو في باد من بوادي الحضرة.
وقال لي: الحرفُ لا يَلِجُ الحضرةَ، وأهلُ الحضرةِ يعبرونَ الحرفَ ولا يقفون فيه.
وقال لي: تستوحشُ تحتَ الأرضِ مما تستوحشُ منه فوقَ الأرضِ.
وقال لي: أهلُ الحضرةِ ينفونَ الحرفَ معَ ما فيه نَفْيَ الخواطرِ.
وقال لي: إن لم تكُنْ من أهل الحضرة جاءَكَ الخاطرُ، وكلُّ السوى خاطرٌ، فلم ينفِهِ إلا العلمُ، وللعلم أضدادٌ ولا تخلصُ إلاَّ بالجهاد.
وقال لي: لا جهادَ إلاَّ بي ولا علمَ إلاَّ بي، فإن وقفتَ بي فأنتَ من أهلِ حَضْرتي.
وقال لي: أهلُ الحضرةِ هُمِ الذين عندي.
وقال لي: الخارجونَ عن الحرف هُمْ أهلُ الحضرةِ.
وقال لي: الخارجونَ عن أنفسِهْم هُمُ الخارجونَ عن الحرفِ.
وقال لي: اخرجْ من العلمِ تخرجْ من الجهل، واخرجْ من العملِ تخرجْ المحاسبة، واخرجْ من الإخلاص تخرج من الشرك، واخرجْ من الوحدة تخرجْ من الوحشة، واخرجْ من الذكر تخرجْ من الغفلة، واخرجْ من الشكرِ تخرجْ من الكفرِ.
وقال لي: اخرجْ من السوى تخرجْ من الحجاب، واخرج من الحجاب تخرجْ البعد، واخرجْ من البعد تخرجْ من القرب، واخرجْ من القرب ترى الله.
* * *
العارف بالله
محمد بن عبد الجبار النفّري(ت 354 هـ)
من كتاب “المواقف والمخاطبات