مشاهد ومراقد

جامع شيخ المتصوِّفة ابن عربي في دمشق

جامع شيخ المتصوِّفة ابن عربي في دمشق

في  الصالحية أحد أحياء دمشق، والذي يُعرف اليوم باسم “أبو جرش”، وضمن سوق وحيّ سكني يسمَّى الشيخ محي الدين، يوجد جامع “الخنكار” أو جامع “السليمية”، أو ما تعارف على تسميته جامع الشيخ محي الدين بن عربي، نسبة إلى شيخ المتصوّفة الإمام الأكبر أبي بكر محمد بن علي بن محمد بن عربي بن أحمد بن عبد الله الحاتمي الطائي الأندلسي، الذي أسّس طريقة خاصَّة به سمَّاها “الطريقة الأكبرية”، ولها الكثير من الأتباع في الوطن العربي.

الجامع الذي ما زال يرتاده المصلون يمكن الوصول إليه من بابين: الأوّل يطلّ على منطقة الجبّة، وباب آخر يطلّ على سوق الخضار أو ما يعرف بسوق الجمعة. وهو يعتبر واحداً من أهمّ جوامع دمشق، ويساوي في أهميته الدينية، وربما العمرانية مع فارق المساحة، الجامع الأمويّ. وما زال يحتفظ بمكتبة عامرة بالكتب والمخطوطات والمعاجم الفريدة، ويقصده بعض طلبة العلوم الدينية بعد صلاة الجمعة ليستمعوا إلى درس في “رياض الصالحين” يقدّمه الشيخ محمد الفحَّام.

ضريح شيخ المتصوفة محيي الدين بن عربي

 أصل الجامع
يقال إن العلاَّمة وشيخ الصوفية الأكبر ابن عربي استقرّ في مدينة دمشق عام 620 هجرية، ومات فيها عام 638 هجرية، ودُفن في منزل عائلة “ابن الزكي”، ثم نُقل جثمانه إلى الصالحية، ودفن في تربة خاصة بأسرة ابن الزكي، ثم بني حول ضريحه جامع صغير فيه منبر ومحراب، لكن السلطان العثماني سليم الأوّل قرّر تكريمه  بعدما رآه في الحلم ( كما يذكر بعض المصادر)، فأعاد بناء الجامع بعد زيارته لدمشق في العام 1518م، وأسندت مهمة التصميم وإعادة الترميم إلى المهندس العثماني شهاب الدين العطار، فتحوّل الجامع الصغير إلى مسجد من الطراز العثماني العظيم، ووضع المقام فوق الضريح مباشرة.
كان جامع وضريح الشيخ محي الدين مقصداً للزوار والسياح العرب والأجانب، وخصوصاً الأتراك منهم، كما يخبرنا صاحب إحدى شركات السياحة في دمشق، على اعتباره مسجداً عثمانياً بالدرجة الأولى، ولما يتمتَّع به الشيخ محيي الدين من مكانة دينية وخاصة لدى الصوفية، بل إن رجال سياسة وسلطة وكبار القوم كانوا يبادرون لبركته وزيارته، فتذكر كتب التاريخ أن الرئيس جمال عبد الناصر زاره في أيام الوحدة المصرية السورية، وأن الأمير عبد القادر الجزائري نزيل دمشق حينها، طلب أن يدفن ويوارى الثرى إلى جوار قبر الشيخ محي الدين، ثم نقل جثمانه في الستينيَّات من القرن الماضي إلى الجزائر العاصمة بعد استقلالها، ولم يبق سوى التابوت الخشبي.

إلى جانب ضريح الشيخ ابن عربي يوجد حالياً قبر ولديه سعد الدين وعماد الدين، وقبر صهر الخديوي إسماعيل باشا، محمود سري باشا، بالإضافة إلى شيخين سوريين هما: الشيخ محمد أمين خربطلي ناظر الجامع الأسبق، والشيخ محمد بن طه سكر.

تكيّة السلطان سليم
لم يكتفِ السلطان سليم بترميم وإعادة هيكلة الجامع، بل أقام بالقرب منه “التكية السليمانية” التي كانت إلى وقت قريب تقوم بتوزيع الطعام على الفقراء مرّتين أسبوعياً (يومي الإثنين والخميس) فتقدم لهم حساء الهريسة بلحم الضأن أو الدجاج مع قطعتي خبز، وكانت موارد الطعام تلك تأتي من المتبرعين من التجار وأصحاب المال والنذور، أو من مستخدمي التكية كمكان لإقامة العزاء في أمواتهم. لكنّ الطعام المقدّم يقتصر في يومنا الحالي على وجبة واحدة، تقدم فجر يوم الخميس مكونة أيضاً من حساء الهريسة.

معظم الشبان والشابات من العاملين أو القاطنين في الحيّ، يعرفون عن المسجد وعن وجود أضرحة بداخله، لكنهم لا يعرفون عن ابن عربي، إلا أنه وليّ من أولياء الله أو شيخ الطريقة الصوفية، أما المسنّون فيعرفون الكثير عنه ويخبرون الكثير من القصص عن حياته.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى