التمايز بين الأخلاق والعرفان
الشيخ حسن أحمد رضائي
الملخّص:
تعرض الكاتب في هذا البحث لبيان الفوارق الدقيقة بين علم الأخلاق وعلم العرفان، وذلك من الناحية النظرية والعملية، فقدَّم لأجل ذلك مجموعة من المقدّمات، كبيان معنى الأخلاق ومعنى العرفان في اللغة والاصطلاح، ثم تعرّض لبيان الفوارق المنهجية والموضوعية والغائية بين هذين العلمين، مستشهداً بكلمات العلماء الأعلام، محلّلاً لها، ومناقشاً لبعضها.
مقدّمة
كثيراً ما يتمّ الخلط بين علمي الأخلاق والعرفان، ويُتصوّر أنَّهما من مقولة واحدة باسمين مختلفين، لكلٍّ منهما في التسمية والعنونة اعتبار ما ولحاظ محدَّد، ولكن الحقيقة ليست كذلك، وهذا البحث بصدد إثبات ذلك إن شاء الله تعالى.
وقبل التطرُّق للفروقات بينهما لا بدَّ من تبيين أهميّة هذا البحث، فما هي أهميّة بحث التمييز بين الأخلاق والعرفان؟
أولاً: حفظ الحرمة العلميّة وحدودها. ونعني بذلك: أنَّ لكلِّ علم حرمة خاصّة، وأنَّ بيان الحدود العلميّة إنما هو لحفظ حرمة العلوم وعدم تداخلها قبل أيّ شيء آخر، فكما أنَّ رسم الحدود بين البلدين ينصبُّ في حفظ حرمة كلِّ واحدٍ منهما فكذلك الأمر في العلوم والمعارف، وهذا بحدِّ ذاته كمال علميّ وقيمة معرفيّة ينبغي الاهتمام بها بقدر ما يتطلّبه.
ثانياً: تمييز الفروقات الحقيقيّة من غيرها؛ إذ أنَّ الباحثين قد تطرّقوا إلى قسم من الفروقات بين هذين العِلمَين، فكان لا بدَّ من مناقشة السقيم منها وتسجيل الملاحظة عليها، والتأكيد على الفروقات الحقيقيّة الصائبة، التي نستطيع بها أن نفرِّق حقّاً بين الأخلاق والعرفان. وهذه النقطة أيضاً علميّة، تكتسب قيمتها من الزاوية العلميّة فقط.
ثالثاً: كشف الأفضلية؛ فما لم تأتِ بالعِلمَين إلى دائرة المقايسة والتمايز فإنَّك لن تستطيع أن ترجِّح أحدهما على الآخر وتحكم بأفضليّته، وتكاد هذه الأفضليّة تكون بلحاظ موضوعاتها أو محمولاتها أو غاياتها أو مناهجها أو واضعها وما إلى ذلك. بالنهاية، فإنَّ أيَّ حكمٍ تفضيليّ لا بدَّ أن يكون ضمن حالة مقارنة ومقايسة ليس إلّا.
رابعاً: تحديد الضالّة؛ وهذا يعني أنَّه إذا كان عِلْمَا الأخلاق والعرفان متمايزين -كما هو المدّعى- فهذا يعني أنَّ لكلٍّ منهما طالباً وباحثاً على حدة، وما لم يتمّ التمييز بينهما فإنَّ الطالب قد يضلّ ضالّته المطلوبة ولن يستطيع تحديدها بسهولة.
الأخلاق في اللّغة
على نطاق اللّغة نجد أنَّ اللّغويين قد صرَّحوا بأنَّ الأخلاق تشتقّ من أصلين، أحدهما: تقدير الشيء، والآخر: ملامسة الشيء. فأمَّا الأول، فقولهم: خَلَقْتُ الأَدِيْمَ للسِّقَاء. ومن هذا كان معنى الخُلُق، وهي: السّجيّة؛ لأنَّ صاحبه قد قُدِّر عليه. وفلانٌ خَليقٌ بكَذا، وَأَخْلِقْ به، أي: ما أخْلَقَهُ. أي: هو ممّن يقدَّر فيه ذلك. والخَلَّاق: النَّصيب؛ لأنَّه قَد قُدِّر لكلّ أحدٍ نصيبُه. وأمَّا الأصل الثاني فصَخْرَةٌ خَلْقاء، أي: مَلساء. ويقال: اخلَوْلَقَ السَّحابُ: استوَى، ويقال: المُختَلَق من كلِّ شيء: ما اعتدَل. وقال آخرون: إنَّها مشتقّة من أصل واحد، وهو: إيجاد شيء على كيفيّة مخصوصة وبما أوجبته إرادته واقتضته الحكمة، والتخلُّق يكون عبارة عن الاتّصاف بتحقّق تكوّن شيءٍ مع تعيّن الخصوصيّات، ويطلق هذا اللفظ في مقام تكوّن الصفات الباطنيّة.
ومهما يكن أصلُها فإنَّ ما ينبغي معرفتُه الآن هو أنَّ الخُلُق والأخلاق التي نقصدها هنا إنما هي مستوحاة من معنى السجيَّة والصِّفات الباطنيّة -طبعاً مع بعض الفوارق بينه وبين معناها الاصطلاحي، مثل اعتبار هذه السّجايا ملكة لا مجرّد صفة في الاصطلاح دون اللّغة، والعجب لمن توهّم أنَّهما من حيث هذه الجهة واحد-. كما فَرَّقوا بين الخَلْق والخُلْق -مفتوحاً ومضموماً- باختصاص الأوّل بالهيئات والأشكال والصّور المدركة بالبصر، والثاني بالقوى والسّجايا المدركة بالبصيرة.
العرفان في اللغة
وأمّا العرفان فذكروا له أصلين أيضاً، يدلُّ أحدهما على تتابع الشيء متّصِلاً بعضه ببعض، والآخر على السّكون والطمأنينة، فمن الأوَّل: عُرْفُ الْفَرَسِ، وسمّي بذلك لتتابع الشَّعر عليه. والأصل الآخر: المعرفة والعرفان. تقول: عَرَف فلانٌ فلاناً عِرفاناً ومعرفةً. وهذا أمرٌ معروف، وهذا يدلّ على السّكون إليه؛ لأنَّ من أنكر شيئاً توحَّش منه ونبا عنه. وقال الآخرون أنَّ له أصلاً واحداً، وهو: الاطّلاع على شيء والعلم بخصوصيّاته وآثاره، ومن مصاديقها: الاعتراف، وهو إظهار المعرفة واختيارها، ويقرب من مفهوم الإقرار المتحقّق في مورد الإنكار. ومَعَارِفُ الأرض والأَعْرَافُ، وهي: الأمكنة الّتى تميَّزت عمَّا سواها، وعرفت خصوصياتها وآثارها، في قبال ما يكون مجهولاً ومنكراً وغير متميّز، وهذا كما في أعالي الأرض والأمكنة المخصوصة الّتى قد عرفت. والمَعْرُوفُ، الّذي يُعرف ويطّلع عليه ويتميّز عمّا سواه في قبال المنكر المجهول من جهة الآثار والخصوصيّات، وهذا يلازم المستحسن المطلوب عند العقل بحيث يعرفه العقل ولا ينكره. والعُرْفُ، هو ما يبدو ويعلو ويُعرف في قبال النكر، كالجود الظاهر وموج البحر وشعر عُنق الفرس أو منبته. وعَرَفَاتٌ، اسم لموضع معروف محاط بجبال عالية بعد المشعر، والصبر والطيب وغيرهما، إذا لوحظ فيها قيود الأصل وهو: الاطّلاع والتمييز والعلم بالخصوصيّات: فهي من الحقيقة، وإلّا فمن التجوّز.
والعرفان المبحوث عنه هنا هو المأخوذ من العلم والاطّلاع بصورة عامّة -بفوارق ستتبين ضمناً بين معنييه اللّغوي والاصطلاحي-.
التمايز بين الأخلاق والعرفان النظريين
وعلى مستوى الاصطلاح والوضع، فإنّ لكلٍّ من عِلْمَي الأخلاق والعرفان جانباً نظرياً يُعرف بالأخلاق النظرية والعرفان النظري، وجانباً عملياً يعرف بالأخلاق العملية والعرفان العملي. وإذا شئنا الإفصاح عن التمايز بين علمي الأخلاق والعرفان فلا بدَّ من التفريق بينهما على صعيدَيه العلمي والعملي معاً؛ لتكون الصُّورة واضحة بجانبيها، وإن كان الغَرض الأوَّل لهذا المقال هو الجانب العملي فقط، ولكن لا يخلو التطرُّق إلى الجانب النَّظري من فائدة، وسنتعرَّض له بما يقتضيه المقام.
الأخلاق النظريّة هي عبارة عن المبادئ والبُنية التحتيّة للأخلاق العمليّة، وما يقال لها عادة بفلسفة الأخلاق الباحثة فيما يجب وما لا يجب. وبهذا يُعلَم بأنَّ نسبة الأخلاق النَّظرية هي كنسبة الجنس للأفراد والمصاديق، فهي لا ترتبط بالعمل بشكلٍ مباشر، إنَّما هي إعداد لأرضية السُّلوك والأخلاق العملية، وذلك مثل بحث نسبيّة الأخلاق وعدمها، ومعايير الحسن والقبح، وذاتيتهما، والمصالح والمفاسد، وما إلى ذلك.
وبناءً على ذلك فإنَّ موضوع الأخلاق النَّظرية هو: هذه المسائل البنيويّة للأخلاق العمليّة. وكما عبَّر عنه المربّي الشّيخ المظاهريّF: “والمراد من الأخلاق النظري تبيين الفضائل عن الرذائل، وبتفصيل أدق: تبيين الفضائل وبيان الفرق بين المشابهات منها، وكذلك تبيين الرذائل، وبيان الفرق بين المشابهات منها، والاهتداء إلى حسن الفضائل وقبح الرذائل”. وبجانب هذا العلم النظري هناك مصطلح آخر، وهو: فلسفة علم الأخلاق، الباحثة في تاريخ علم الأخلاق، ومنهجه، وموضوعه، ومنزلته بين العلوم، وفائدته والغرض منه، وغير ذلك ممَّا يعبّر عنه بالرؤوس الثمانيّة. وموضوعه يختلف عن موضوع فلسفة الأخلاق، إذ هو: علم الأخلاق ذاته. بالإضافة إلى مصطلح آخر يسمَّى بالأخلاق التطبيقية، الباحثة في دراسة النَّظريات والأقوال الأخلاقيَّة، وهي بدورها تختلف عن الأخلاق النظرية -فلسفة الأخلاق- وعن فلسفة علم الأخلاق وعن الأخلاق العمليّة. ولطالما مُزج بين كلِّ هذا في التصانيف الأخلاقيّة.
وأمّا العرفان النظري فكما عرَّفه الشهيد المطهَّريS بلسان سلس: “هو عبارة عن معرفة الله والإنسان والكون”. معرفةً برهانيّة عقليّة مستسقاة من نبع الكشوفات والشهودات الخاصَّة بهم، ولا يتنافى هذا التعريف مع ما تجده في صحفهم من الاقتصار على الوجود الحقّ الصّمد المطلق، كقول القيصريّ في الفصّ الهودي: “والعلوم الإلهية ما يكون موضوعه الحقّ وصفاته، كعلم الأسماء والصّفات، وعلم أحكامهما ولوازمهما، وكيفيّة ظهوراتها في مظاهرها، وعلم الأعيان الثابتة والأعيان الخارجية من حيث إنّها مظاهر الحق”؛ وذلك لأنَّ الإنسان والعالم ليسا سوى تجلّيات الحقّ ومظاهره في المدرسة العرفانية، فتعيَّن أنَّ الموضوع كلمة واحدة فقط، وهو: اللهa.
وما أجمل عبارات الإمام الخميني لزوجة ابنه السيِّد أحمد -فاطمة الطباطبائي-: “بنيّتي! إنَّ موضوع الفلسفة هو مطلق الوجود من الحقّ تعالى وحتى مراتب الوجود، وإنَّ موضوع العرفان والعرفان العلميّ هو الوجود المطلق أو الحقّ تعالى، وليس فيه كلام غير الحقّ تعالى وتجلّياته -التي ليست إلا هو-، فإنْ ناقش كتاب أو عارف موضوعاً غير الحقّ فإنَّ الكتاب ليس من العرفان في شيء كما أنَّ قائله ليس عارفاً”.
ونستطيع أن نفهم الدافع وراء هذا العلم النَّظري للعرفان بما ذكره القيصري في مقدّمته على شرح ابن الفارض قائلاً: “وهذا العلم وإن كان كشفياً وذوقياً، لا يحظى منه إلا صاحب الوجد والوجود وأهل العيان والشهود، لكن لمّا رأيت أنَّ أهل العلم الظَّاهر، يظنُّون أنَّ هذا العلم ليس له أصل يُبتنى عليه، ولا حاصل يوقف لديه، بل تخيُّلات شعرية، وطامات ذكرية، لا برهان لأهله عليها، ومجرّد دعوى المكاشفة لا يوجب الاهتداء إليها، بيّنت موضوع هذا الفنّ ومسائله ومباديه. وما ذكرت من البرهان والدليل إنّما أتيت به إلزاماً لهم بطريقتهم، وإفحاماً لهم بشريعتهم، فإنَّ كشف أهل الشهود ليس حجة عليهم، وظاهر الآيات والأخبار المبيّنة لما يقوله أهل الكشف مؤوّل لديهم، فوجب أن نقول معهم بلسانهم، كما قال تعالى: {وَمَا أرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلّا بِلسَانِ قَوْمِه}(إبراهيم: 4)”.
وقال العلامة المصباح اليزديF: “وبهذا البيان يتّضح أنَّ العرفان النظري إنما هو من سنخ الألفاظ والمفاهيم، ومن هنا، فإنَّ القلب لا يسكن بالعرفان النظري، ولا يطمئنّ به باطن الإنسان، وإنَّ العرفان النظري باستطاعته أن يقنع العقل فقط، وقيمته العليا هي بقدر ما للفلسفة من قيمة، وبالبيان الفلسفي، فإنَّ العرفان النَّظري عبارة عن العلم الحصولي المأخوذ من العلم الحضوري، وهو صبّ العلم الحضوري والشهود الباطني في قالب الألفاظ والمفاهيم الذهنية”. وهذا وجه من وجوه العلاقة بين العرفان والعقل.
وبناءً على ما سبق، فقد تبيَّن موضوع هذا العلم وغايته ومنهجه. وبالتالي، فقد ظهر التمايز بينه وبين الأخلاق النظرية في الآتي:
الموضوع؛ فموضوع الأخلاق النظرية هو: المسائل البنيوية للأخلاق العملية. وأما موضوع العرفان النظري فهو الله وتجليّاته، أو ما يعبّر عنه بالوجود المطلق.
الغاية؛ إذ الغاية من الأخلاق النظرية هي: تمهيد أرضية الأخلاق العملية ومبادئها، وبيان الأسس النظرية لذلك. وأمّا الغاية من العرفان النظري فهي: عقلنة الشهودات العرفانيّة، وتنزيلاً لها منزلة العلم البرهاني، ليسهل الفهم والتفهيم، وليدفعوا به الإشكالات التي تتعرّضهم.
المنهج؛ فإنَّ المنهج في الأخلاق النظرية هو بملاحظة الكتاب والسنة والعقل، ولكنَّ المنهج في العرفان النظري وإن كان بالمشي العقليّ ولكنه يبتني في أصله على الكشوفات والشهودات أكثر من أيِّ شيء آخر.
التمايز بين الأخلاق والعرفان العمليين
تطلق الأخلاق على عدَّة من المعاني:
الملكات النفسانية الراسخة، الأعم من كونها ملكات حسنة أو قبيحة تدعو إلى أفعالها من غير فكر ولا رويّة. وذلك كملكة السَّخاء أو الكذب فإنَّها تدعو صاحبها إلى فعل السَّخاء أو الكذب على أيِّ حال دون تردّد أو توقف.
الصفات الآنية غير الراسخة، والتي تفتقد عنصر الملكة والرسّوخ، فهي صفة وحالة نفسانيّة، لكنَّها معرَّضة للزَّوال بحكم أيِّ ظرف من الظروف، وذلك مثل الحالة النفسانيّة للسّخاء أو للكذب -ما لم تنقلب إلى ملكة راسخة-.
الملكات الحسنة الراسخة. والفرق بينها وبين الأوّل، أنَّها تخصُّ الملكات الحسنة الفاضلة، والأوَّل أعمّ من الملكات الحسنة والقبيحة كما تبيّن.
الصفات الحسنة غير الراسخة، وهي صفات آنية معرَّضة للزَّوال، لم تبلغ رتبة الملكة والرُّسوخ، لكنَّها تخصُّ الصِّفات الحسنة والممدوحة، كالحالة النفسانية للسَّخاء فحسب.
الأعمال الحسنة القيمية، ويختلف هذا عمَّا سبق بأنَّه ناظر لمقام العمل والسُّلوك فقط، ولا شأن له بمقام النَّفس والباطن، فالسَّخاء الذي يقوم به فلان -أي: الفعل نفسه بغضّ النَّظر عن الصِّفة النفسانية فضلاً عن كونها ملكة أو مجرّد صفة- هو ما يطلق عليه الأخلاق.
الأعمال جميعها، خيرها أو شرّها، فجميعها محكومة بكونها أخلاق حسنة أو قبيحة، فبالإضافة لفعل السّخاء كما تقدّم، يُطلق الأخلاق هنا على فعل الكذب كأخلاق قبيحة، ويقال عن الكاذب: هذه أخلاقه السيئة.
وبعد سرد هذه المعاني للفظة الأخلاق، فإنَّ ما نقصده من علم الأخلاق العمليّة هو ما يناسب المعنى الأوَّل منها فقط. وعليه بنى العلامة الطباطبائيS -وغيره- تعريفه، فقال: “هو الفن الباحث عن الملكات الإنسانية المتعلّقة بقواه النباتية والحيوانية والإنسانية، وتميّز الفضائل منها من الرذائل ليستكمل الإنسان التحلّي والاتّصاف بها سعادته العلمية، فيصدر عنه من الأفعال ما يجلب الحمد العام والثناء الجميل من المجتمع الانساني”.
وأمّا العرفان العمليّ فيطلق على أكثر من معنى أيضاً: الأول، وهو: العلم بطريق السير والسّلوك، فمن أين يبدأ، وإلى أين ينتهي، وما هي المنازل والمقامات التي يجب أن يسلكها العارف للوصول إلى الله تعالى، وكيفيّة مجاهدة النفس للتغلّب على ميولها، وتحريرها من علائقها، حتى تستطيع طيّ المراحل والجدّ في سيرها إلى الله تعالى. فهو إذاً عبارة عن: التعاليم العمليّة الموجّهة لنطاق السير والسّلوك بشكل مباشر، كاليقظة والتوبة والزهد والصّبر والتسليم وغير ذلك.
وتوضيحاً لكلمتي السّير والسّلوك وتمييزاً بينهما، قال العلامة الطهرانيS: “فالسّلوك هو: طيّ الطريق، والسَّيْر هو: مشاهدة آثار وخصائص المنازل والمراحل أثناء ذلك الطريق”.
وأمّا المعنى الثاني: العمل والسّلوك نفسه. فيلاحظ فيه العمل نفسه، العمل الناتج من التعاليم العرفانيّة العمليّة تلك. وبناءً عليه، يوصَف هذا العمل والسّلوك بالعرفان. وبما أنَّنا في مقام المقايسة بين ما هو من سنخ العلوم وما هو من سنخ الفنون، فهذا يعني أنّه لا شأن لنا بمقام العمل -الأخلاقي أو العرفاني-.
إلى هنا، اتّضح بعض الشيء في علمي الأخلاق والعرفان العمليين، ولكن قطعاً هذا غير كافٍ ولا مجدٍ؛ لأنَّنا أجملنا الكلام فيهما، وبالتالي، فقد خفي الكثير من جوانبهما. وعلى هذا، فهل هناك تمايز حقيقيّ بينهما على مستوى الموضوع؟ وماذا على صعيد الغاية فيهما؟ وماذا عن التمايز المنهجيّ في هذين العِلمَيْن؟ هذه جوانب ثلاث، هي ما سنتعرّض إليها بشيء من التفصيل.
التمايز بالموضوع بين علمي الأخلاق والعرفان
ذهب مشهور العلماء إلى أنَّ تمايز العلوم إنما هو بتمايز موضوعاتها. وإنَّ موضوع الأخلاق العمليّة كما صرَّح به علماء الأخلاق ومنهم المربّي الشيخ المشكينيS بقوله، هو: “الإنسان من حيث نفسه وروحه، أي: نفس الإنسان من حيث اتّصافها بصفات مختلفة، حسنة أو قبيحة، وملكات كثيرة، مذمومة أو ممدوحة، منها ما هو ذاتية موهوبيّة، ومنها ما هو عرضيّة اكتسابيّة”.
وأمَّا موضوع العرفان العملي فهو وإن كان الإنسان -كما في الأخلاق- ولكن لا من حيث مجرّد اتّصافه بصفات مختلفة كما شأن الأخلاق، بل من حيث بلوغه منازل مخصوصة متدرّجة، ومقامات مترتّبة مطروحة في فنّهم العمليّ، لا يرفع إليها علم الأخلاق العمليّة طرفه، وليست هي محلُّ اهتمامه، وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله.
وبهذا، فلا مجال للتوهّم بعدم التمايز الموضوعي بينهما بحجّة الاتحاد الموضوعي هذا؛ لأنَّ حيثيّة هذا الموضوع-الإنسان- في كلٍّ منهما مختلفة، ويكفي اختلاف الحيثيّة بينهما ليتمايز أحدهما عن الآخر في الموضوع -مع حيثيّته-. كما هو شأن علم النّحو والصّرف؛ فإنَّه وإن كان موضوعهما واحداً وهو: الكلمة -بناءً على رأي- فإنَّ الاختلاف إنما هو في حيثيّة الموضوع -الكلمة-، فعلم النحو يدرسه من زاوية الإعراب والبناء، وأما الصرف فيهتمّ لبنية الكلمة.
التمايز بالغاية بين علمي الأخلاق والعرفان
ذهب بعض علمائنا -وعلى رأسهم الآخوند الخراساني – إلى أنّ التمايز بين العلوم إنما يتمّ بالغايات والأغراض، مستشكلين على ما اشتُهر من التمايز بالموضوعات، ولسنا الآن بصدد ذلك تنقيحاً أو تحقيقاً. إلا أنّ ما يهمّنا في هذه العجالة هو أن نرى: هل -بالإضافة إلى التمايز الآنف الذكر- هناك تمايز بالغاية بين الأخلاق والعرفان العمليين أم لا؟ والحقيقة أنّ هناك تمايزاً بينهما حتى من زاوية الغاية والغرض أيضاً. وبيانه:
إنّ الغاية من الأخلاق العمليّة لا تنحصر في واحدة دون أخرى، فهي قد تكون واحدة من عدّة أمور، وهي:
القربة الإلهية. وهي: غاية الغايات ومنتهى المقاصد والمطالب، وبه ألهج ابن مسكويه في بيان كونها ذات الرتبة العليا والسعادة القصوى لتبلغ قرباً لا حجاب فيه، موبّخاً أولئك الذين قد جعلوا غايتهم الجنّة وملذاتها. فقال ما لفظه: “لأنّك بهذا الكمال مستعدّ لقبول الفيض من المولى دائماً أبداً، وقد قربت منه القرب الذي لا يجوز أن يحول بينك وبينه حجاب. وهذه هي الرتبة العليا والسعادة القصوى”. وقال في موضع لاحق: “وهذا هو رأي الجمهور من العامّة الرعاع وجهّال الناس السقّاط، وإلى هذه الخيرات جعلوها غاياتهم تشوّقوا عند ذكر الجنّة والقرب من بارئهمa، وهي التي يسألونها الربّ في دعواتهم وصلواتهم. وإذا خلوا بالعبادات، وتركوا الدنيا وزهدوا فيها؛ فإنما ذلك منهم على جهة المتاجرة والمرابحة في هذه بعينها، كأنهم تركوا قليلها ليصلوا إلى كثيرها، وأعرضوا عن الفانيات منها ليبلغوا إلى الباقيات”. وعلى غراره قال المولى النراقي: “والمتشرّعون منهم قصروا اللّذات الآخرة على الجنة والحور والغلمان وأمثالها، وآلامها على النار والعقارب والحيّات وأشباهها، وجعلوا الوصول إلى الأولى والخلاص عن الثانية غاية في زهدهم وعبادتهم، وكأنهم لم يعلموا أنّ هذه عبادة الأجراء والعبيد، تركوا قليل المشتهيات ليصلوا إلى كثيرها. وليت شعري إنّ ذلك كيف يدلّ على الكمال الحقيقيّ والقرب من الله سبحانه! ولا أدري أنّ الباكي خوفاً من النار وشوقاً إلى اللّذات الجسمية المطلوبة للنفس البهيمية كيف يعدّ من أهل التقرب إلى الله سبحانه ويستحقّ التعظيم ويوصَف بعلوّ الرتبة!”.
الفوز بالجنّة، وهو غاية الحرصاء والتجّار والأجراء، الذين يقصدون من وراء الأخلاق الفوز بالثواب والجنّة، وفيهم قال أمير المؤمنين(ع): «إنّ قوماً عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار».
الخلاص من النّار، وهو غاية العبيد وأهل الرهبة، فيقومون بالتخلّق ليخلّصوا أنفسهم من النّار وعذاب الجحيم. وفيهم قال أمير المؤمنين (ع): «وإنّ قوماً عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد».
المصالح الدنيويّة، كتأمين الرزق واستزادة التوفيق الإلهي، كما هو حال الكثير من أصحاب الأديان الذين يتخلّقون بالأخلاق لمعرفتهم بالعلاقة الوطيدة بين الأخلاق والسعادة الدنيوية من الاطمئنان -الاستقرار النفسي- والرزق والعافية والسَّلامة وما إلى ذلك.
أو المصلحة الدنيوية بمعنى: توطيد مثالي للعلاقات الاجتماعية والحياة المشتركة مع الآخرين، كمن ينظر إلى قيمة الأخلاق وأهميّتها في ضوء الحياة الاجتماعية المشتركة من الاحترام المتبادل والإحسان ومعونة الفقراء وغير ذلك فحسب.
أو المصلحة الدنيوية بمعنى: النفع المادّي وتأمينه كمدرسة الأخلاق النفعية. وفيهم قال الشيخ محمد تقي الفلسفي : “إنّ النفعيين الذين لا يملكون دافعاً إيمانياً، لا يشعرون بالمسؤولية، بل إنَّ دافعهم إلى السلوك الأخلاقي ليس سوى الاستزادة من المنافع المادّية، عندما يجدون الفضائل تتعارض مع الغرائز وتسدّ طريق المنافع، أو إذا رأوا أنَّ التزام الموازين الأخلاقية يجلب عليهم الضرر، فإنَّهم يتركون سبل المكارم، ويتغاضون عن السجايا الإنسانية، ويسيرون في طريق غير طريق الأخلاق، ويرتكبون الأعمال الفاسدة واللاإنسانية في سبيل الوصول إلى منافعهم الخاصّة، ولسوء الحظّ ترى هذا الأسلوب شائعاً اليوم في دنيانا هذه، وكثير من الناس يفعلون ذلك في السلم والحرب”.
وأمّا الغاية من العرفان العمليّ فهي -على خلاف الغايات المتعدّدة في الأخلاق- أمر واحد فقط، وهو: القربة الإلهية. ممَّا يُمنَع عرفانياً على السّالك أن يهمس في نفسه بإحدى تلك الغايات المذكورة، وإلّا لبطل ما يُرجى له من كمال، وخرج عن الصراط الأمثل.
ومن أعجب ما قرأت في هذا الشأن هو ما نقله المولى الفيض الكاشاني -طبعاً بغضّ النظر عن الحُكم عليه بالصحّة والخطأ في هذه العجالة-: “.. والتحقيق فيه ما ذكره بعض العلماء من التفصيل، وهو: أنَّ قراءة القرآن أفضل للخلق كلّهم إلا للذاهب إلى الله في جميع أحوال بدايته، وفي بعض أحوال نهايته، فإنَّ القرآن هو المشتمل على صنوف المعارف والأحوال، والإرشاد إلى الطريق، فما دام العبد مفتقراً إلى تهذيب الأخلاق وتحصيل المعارف، فالقرآن أولى به. فإن جاوز واستولى الذكر على قلبه، بحيث يُرتجى أن يُفضى ذلك به إلى الاستغراق، فمداومة الذكر أولى به، فإنَّ القرآن يجاذب خاطره، ويسرح به في رياض الجنّة”.
وللوهلة الأولى قد تظنُّ بأنَّ النسبة بين غايات هذين العلمين هي العموم والخصوص المطلق، بمعنى: كلّ غاية عرفانيّة هي غاية أخلاقية ولا عكس. ولكنّ الحقيقية ليست كذلك؛ لأنَّ القربة الإلهية في الأخلاق تختلف أحياناً عن القربة الإلهية في العرفان تماماً؛ إذ لطالما ظنَّ الأخلاقيّون أنَّ القربة الإلهية التي يرجونها هي الحبّ والعشق أو الشكر -بمقتضى حديث الأمير السّابق: «إنّ قوماً عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وإنّ قوماً عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وإنّ قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار»- أو الحالة المعنوية القريبة من الله عزّ وجلّ. في حال أنّ العرفاء لم يقصدوا من القربة الإلهية إلا معنًى خاصاً دقيقاً جدّاً، وهو: شهود الله ، والوصول إليه. ومن هنا، كانت غاية العرفان العمليّ: المعرفة الشهوديّة لله تعالى ولمظاهره لا غير، ولأجله سمّي العرفان عرفاناً. وبناءً على هذا الفهم الأخلاقيّ المتداول كثيراً فإنّا لن نحظى على نسبة مشرفة بين غايات العلمَين سوى التباين، اللهمَّ إلّا أن يكون هناك فهم آخر-كما يشهد عليه تصريح ابن مسكويه والنّراقي الآنف الذكر- فنستطيع على ضوئه من الحكم بنسبة العموم والخصوص المطلق.
وحتى لو سلّمت هذه الجهة في القربة الإلهيّة عند عموم الأخلاقيين، فإنَّ هنالك جهة أخرى دقيقة تفرز القربة الإلهية الأخلاقية من العرفانيّة بتمامها، وهي: أنّ العرفاء في الواقع لا يؤمنون بانتهاء السير والسّلوك عند نقطة محدّدة، وكلّ ما قالوه من المحطّة الأخيرة فهي بلحاظ «السير إلى» لا «السير في»، فإنَّ السير إلى الله فناءً هو المحطّة النهائية لهذا النوع من السّير الذي كان غرضه الوصول إلى الله تعالى، وأمّا بعد وصولهم وفنائهم فإنّهم سيبدؤون سيراً آخر لا نهاية له، وهو السّير في اللهa.
وبتعبير آخر -مستفاد من شيخنا الأستاذ الجوادي الآمليF-: فإنَّ المحطّة الأخيرة -التي يصرّحون بها كثيراً- هي: الفناء، وهو-أي: الفناء- آخر السفر الأوّل -الذي هو: من الخلق إلى الحقّ- من الأسفار الأربعة العرفانيّة ليس إلّا، وثمّ يبدأ السّفر الثاني -من الحقّ إلى الحقّ بالحقّ- الذي لا نهاية له بتاتاً؛ لأنّه سفر في الأسماء الإلهية، وهي ممّا لا حدّ لها، والسالك يتجاوزه بشكل نسبي فقط، وإلّا فهو باقٍ فيه مهما بقي. وما إن يتجاوزه نسبياً فإنّه سيدخل السّفر الثالث -من الحقّ إلى الخلق- بوجوده الحقّاني، ثمّ السفر الرابع -من الخلق إلى الخلق-.
وماذا بشأن الأخلاقيين؟ هل ينظرون إلى القربة الإلهية -بمنظور عموم الأخلاق- وفق هذا المعنى اللامتناهي؟! قطعاً لا. وهذه جهة سامية يتمايز بها العرفان عن الأخلاق. نعم، إذا فرضنا أنّ غاية الأفعال الأخلاقية هي التشبّه بالأخلاق الإلهية -وهي بالطبع لا تتناهى- فإنّ بالإمكان أن نحكم بلامتناهية مراتب التخلّق بالصفات الأخلاقيّة، رغم محدوديّة الصّفات الأخلاقيّة.
وفي الأخير، بقي أمر لا بدَّ من الوقوف عليه، وهو: صحيح أنّ العرفاء لا يحرّكهم شوق الجنّة أو خوف النّار نحو التخلّق والتعبّد، ولكن هذا لا يعني أنّهم لا يشتاقون للجنّة أو لا يهابون الجحيم، فالشّوق والخوف لا ينفكّان منهم، لكنهما لم يبلغا درجة العلة الغائية لسلوكهما، وبهذا نفهم حالات العرفاء -وعلى رأسهم الأئمة المعصومونi- حين يدعون لأنفسهم بالجنّة، ويذكرونها، ويشتاقونها، وحين يرتعدون من النّار وأهوالها، مع أنَّ الغاية المحرِّكة لهم ليست سوى القربة الإلهية. فالجنّة التي هي مظهر الرحمة الإلهية، كيف من الممكن أن لا يشتاقوها؟ والنّار التي هي مظهر غضب الجبّار، كيف من الممكن أن لا يهابوها؟ وفي الحقيقة، يرجع شوقهم وخوفهم لرضا محبوبهم وغضبه، وهو الله ، فتأمّل.
التمايز بالمنهج بين علمي الأخلاق والعرفان
وبالإضافة إلى التمايز الموضوعي والغائي بين الأخلاق والعرفان، فإنَّ هناك جانباً آخر للتمايز، وهو: التمايز المنهجي. والملفت أنَّ في هذا النوع من التمايز زوايا متعدّدة، تفرض علينا أهميّتُها أن نذكرها جميعاً، ومناقشة ما يلزم منها.
دائرة العلاقات المبحوث عنها
سجّل الشّهيد المطهري فارقاً منهجياً بين الأخلاق والعرفان، وحاصله: إنَّ الأخلاق تبحث عن العلاقات الإنسانيّة وروابطها فقط، بينما العرفان يبحث عن العلاقة بين الإنسان وخالقه من جهة، وبين الإنسان والكون من جهة أخرى، وبين الإنسان والإنسان من جهة ثالثة -طبعاً باعتبارهما تجلّيات الله ومظاهره-. نعم، الأخلاق الدينية المذهبية تختلف عن عموم الأخلاق، فهي تبحث عن علاقة الإنسان بخالقه أيضاً، ولكن هذه مزيَّة منحصرة بالأخلاق الدينية المذهبية فقط.
وبهذا، يظهر أنَّنا إذا قسنا الأخلاق الإسلامية بخصوصها -كما نتعامل معها بالدرجة الأولى- بالعرفان لا نكادُ نجد فارقاً في هذه الجهة المذكورة. وحينئذٍ يكون كلٌّ منهما يبحث في ذات العلاقات الثلاث الآنفة -طبعاً مع وجود الفوارق المضمونية لكلٍّ منهما-.
الحيوية والجمود
وكذلك سجَّل الشَّهيد المطهّري فارقاً آخر بين العلمَين المذكورين، حاصله: إنَّ العرفان -وكما يظهر من مفهومي السّير والسلوك- متحرّك وحيوي، بخلاف الأخلاق التي هي ساكنة ومتوقّفة. فالعرفان له نقطة بداية ونهاية تتخلّلها منازل ومراحل لا بدَّ من طيّها، وإنَّ هناك صراطاً للإنسان لا بدَّ من السَّير عليه منزلاً منزلاً ليصل إلى النهاية، بحيث لا يمكن دخول المنزل اللاحق دون الانتهاء من السّابق، بخلاف الأخلاق فهي تتحدَّث فقط عن سلسلة من الفضائل، من قبيل الصّدق والاستقامة والعدالة والعفّة والإحسان والإنصاف والإيثار وغير ذلك، لتتّصف بها الروح الإنسانية. ومن وجهة نظر الأخلاق فإنَّ روح الإنسان مثل المنزل الذي يجب أن يُزيَّن بالطلاء والدّهان، ورصفه بالحجارة والخشب دون أن يكون هناك ترتيب وخطّة عمل متدرّجة، من أين يبدأ وإلى أين ينتهي؟! فهل يبدأ من السّقف أو الجدران، ومن أيّ جدار؟ من أعلاه أو أسفله؟ على خلاف العرفان فهو يهتم لهذه العناصر الأخلاقية ولكن بصورة ديالكتيكية متحرّكة.
ويُلاحظ عليه: أنَّ الأخلاق ليست متوقّفة وساكنة كما عبّر عنه ، بل بالرجوع إلى الكتب الأخلاقية فإنَّنا سنرى أنَّها تمتلك منهجية متحرّكة تبدأ من نقطة وتنتهي إلى نقطة. وما أشهر منهجية التخلية والتحلية والتجلية في كتب الأخلاق العملية، فقد جاء في رسائل إخوان الصّفا ما لفظه: “ونحن نبتدئ، أولاً وقبل كلّ شيء، فنبيّن كيف ينبغي أن نصفّي النّفس من الأخلاق الرديئة التي اعتدناها من الصّبا، ونجعل لوصفنا ذلك في رسائلنا الرياضية أبواباً شتّى، ونذكر في كلّ باب ضروباً من الأمثال، لكيما يكون أوضح للبيان وأقرب للفهم وأبلغ في الموعظة، ثم بعد ذلك نصف في هذه الرسائل أبواباً أخَر يتبيّن فيها الطريق المستقيم إلى الله ، وكيف ينبغي أن تتبع بكلام موزون ودلائل واضحة، ليكون منهاجاً للقاصدين، وإرشاداً للمريدين، ثم نبتدئ بعد هاتين الجهتين بالكشف عن الأمور الإلهية الحية والأسرار المخزونة”.
وكما قال الغزالي: “وكما أنَّ الطبيب لو عالج جميع المرضى بعلاج واحد، قتل أكثرهم، فكذلك الشيخ لو أشار على المريدين بنمط واحد من الرياضة أهلكهم، وأمات قلوبهم، بل ينبغي أن ينظر في مرض المريد، وفي حاله، وسنّه، ومزاجه، وما تحتمله بنيته من الرياضة، ويبنى على ذلك رياضته، فإن كان المريد مبتدئاً جاهلاً بحدود الشرع، فيعلمه أولاً الطهارة والصلاة وظواهر العبادات، وإن كان مشغولاً بمال حرام، أو مقارفاً لمعصية، فيأمره أولاً بتركها، فإذا تزيّن ظاهره عن بالعبادات، وطهر عن المعاصي الظاهرة جوارحه، نظر بقرائن الأحوال إلى باطن، ليتفطّن لأخلاقه وأمراض قلبه”.
وأيضاً صرّح المولى النراقي : “ثمَّ ما لم تحصل التخلية لم تحصل التحلية ولم تستعد النفس للفيوضات القدسية، كما أنّ المرآة ما لم تذهب الكدورات عنها لم تستعد لارتسام الصور فيها، والبدن ما لم تزل عنه العلة لم تتصوّر له إفاضة الصحّة، والثوب ما لم يُنقَّ عن الأوساخ لم يقبل لوناً من الألوان، فالمواظبة على الطاعات الظاهرة لا تنفع ما لم تتطهّر النفس من الصفات المذمومة كالكبر والحسد والرياء، وطلب الرئاسة والعلى وإرادة السوء للأقران والشركاء، وطلب الشهرة في البلاد والعباد، وأيّ فائدة في تزيين الظواهر مع إهمال البواطن؟!”، واللطيف أنَّه حتى على مستوى القوى الإنسانية فإنَّ لديه منهجيّة محدّدة، قال: “فظهر مما ذكر: أنّ الطبيعة تولد أولاً قوة الشهوة، ثمّ قوة الغضب، ثم قوة التمييز، فيجب أن يقتدي به في التكميل الصناعي، فيهذب أولاً القوة الأولى ليكتسب العفة، ثم الثانية ليتّصف بالشجاعة، ثم الثالثة ليتحلّى بالحكمة، فمن حصل بعض الفضائل على الترتيب الحكمي كان تحصيل الباقي له في غاية السهولة، ومن حصله لا على الترتيب، فلا يظنّ أنّ تحصيل الباقي حينئذ متعذّر بل هو ممكن، وإن كان أصعب بالنسبة إلى تحصيله بالترتيب، فإنّ عدم الترتيب يوجب عسر الحصول لا تعذّره، كما أنّ الترتيب يوجب يسره لا مجرّد إمكانه”.
وكذلك قال المولى القزويني : “وكما أنَّ مراتبها -القوة العلمية- أربعة، فكذا مراتب القوة العملية: أولها: استعمال النواميس الإلهية والشرائع النبوية وامتثال الأوامر والنواهي الشرعية، حيث إنّها باب السلوك ومفتاح الوصول إلى المقصود، فلا يمكن إلا منه الورود. وثانيها: التخلّي عن الرذائل والتحلّي بالفضائل وإزالة العلل الحاجبة عن التوجّه إلى عالم الملك والملكوت عن الخاطر، حتى يتمكّن من الوصول إليه. وثالثها: ملكة الوصول إلى عالم القدس. ورابعها: مرتبة الفناء والوحدة الصرفة”. وقال في موضع تالٍ: “التخلّي عن رذائل الأخلاق من أهم المهام أولاً، لأنها الحجب المانعة عن المعارف الحقيقية والصداء للنفوس الحاجبة عن النفحات القدسية، فإذا اشتغلت القلوب بغيره تعالى لم يدخلها معرفته وحبه والأنس به، كما أنه لا مجال للهواء في الإناء المملوّ من الماء”.
وبهذا، علمنا بحيويّة الأخلاق وحركتها كالعرفان -بشكل عام-، وليست الأخلاق ساكنة ومتوقّفة. نعم، حيوية العرفان وحركته تختلف عن الأخلاق في طبيعة منازلها وتعدادها ودقّتها وغايتها قطعاً. وهذا ما سنتعرّضه في النقطة التالية.
منازل السّير ونظرية الوسط
صرّح البعض بفارق آخر وهو: أنَّ الأخلاق إنّما تهتمّ بموضوع اعتدال القوى كأساس منهجيّ تبني عليه لوازمه. والمشهور أنَّ فضل ذلك يرجع إلى أرسطو، وعليه جرت التآليف الأخلاقيّة فيما بعد. ولكن بملاحظة ما سطّره ابن مسكويه -متبنّياً المنهج ذاته- يظهر أنَّ الحكماء قبل هذا الرجل -أمثال: فيثاغورس وسقراط وأفلاطون وأشباههم- قد أجمعوا على أنَّ الفضائل والسعادة كلَّها في النفس وحدها، وهي: الحكمة والشجاعة والعفة والعدالة، وهي عبارة عن اعتدال القوى في الإنسان ووسطها، وعلى خطاهم سار أرسطو طاليس، وكان ممّا قاله: -بناءً على ما نقله العامريّ وتبنّاه-: “يمكن أن يقال في الفضيلة أنَّها توسّط بين رذيلتين”، و”أنَّ الرذائل كلَّها إنما تثبت بالزيادة والنقصان”.
وخلاصة قولهم هي أنَّ للإنسان قوى ثلاث: العاقلة والشهوية والغضبية، ففضيلة العاقلة هي الحكمة، وطرفاها: الجربزة -السفسطة- والجهل. وفضيلة الشهوية هي العفّة، وطرفاها: الشّره والخمود، وفضيلة الغضبية هي الشجاعة، وطرفاها: التهوّر والجبن. ثمّ من حصول الثلاثة جميعاً وتسالم بعضها مع بعض وامتزاجها تحصل حالة متشابهة، بها يتمّ كمال تلك الثلاثة وهي العدالة، ولذا اتّفق أساطين الفنّ على كون أصول الفضائل أربعة.
هذا، وإنّ نظرية الوسط الأخلاقيّة تعتبر برأيي المنهج المتأصّل والعمود الفقريّ والخطّ الفاصل الذي به نستطيع تمييز التصانيف الأخلاقيّة من العرفانيّة، فهو بوصلة منهجيّة يتطلّب الالتفات إليها قبل كلّ شيء، وعلى ضوئها نحكم على تلك التصانيف أنّها كتب أخلاقيّة، طبعاً رغم التلفيق -في جملة من مطالبها- مع المعارف العرفانيّة، كرسائل إخوان الصّفاء، وإحياء علوم الدّين، والمحجّة البيضاء، وجامع السّعادات، وكيمياى سعادت، ومعراج السّعادة، وغير ذلك، ولعلّنا اليوم لا نظفر بكتاب يتبنّى نظرية الوسط وتعادل القوى دون أن يحكمها التلفيق العرفانيّ في جملة من مطالبها ومحتواها. طبعاً هناك من ناقش هذه النظريّة وأعرب عن بعض التهافت فيها، فليراجع في محلّه.
وأمّا العرفان، فهو لم يبنِ منهجه على هذا الأساس بتاتاً، ولم يفرّع عليه لوازمه ونتائجه حصراً. وإنّ المنهج المتبنَّى في العرفان هو المنازل والمقامات التي يبلغها السّالك شيئاً فشيئاً نحو المقصود فحسب، فهو يفرض على سالكيه برنامجاً ذا منازل ومقامات كثيرة للوصول إلى الفناء في الله ، بترتيب لا يمكن تجاوزه -في السّفر إلى الله تعالى- المعروف ما ذكره الأنصاري أنها مئة منزل. وقالوا إنّها سبعين ألفاً، وألف، واثنتا عشر، وتسعة عشر، وعشرة، وثلاثة، وسبعة، وأربعة، كما قالو إنّها واحدة باعتبار الدّنيا أو النّفس، أو لا منتهى لها بملاحظة الأسفار الأربعة المتقدّمة، خصوصاً السّفر الثاني منها: السّير في الله تعالى -كما تقدّم-.
وقد يظهر من مدرسة الإمام الخميني العرفانيّة أنَّ حصر المنازل بعدد خاص ليس أمراً ضرورياً معرفته، أو ممَّا يتطلَّب فيه البتُّ بشيء، فكأنَّما هو مجرَّد اعتبار أو إجمال وتفصيل أو ما يرجع للحالة العرفانيّة الخاصّة بالسّالك، أو غير ذلك. فتأمّل.
محدوديّة المعاني وسعتها
أعرب الشهيد المطهري عن ميزة أخرى بين العلمَين، وهي: أنَّ الأخلاق في الغالب تعتني بنوع من المعاني والعناصر القيميّة هي محدودة ومفهومة ومعروفة غالباً، على عكس العرفان فإنَّه يطرح مفاهيم عميقة وصعبة وأكثر اتّساعاً من سابقه. فإنَّ السَّير والسُّلوك العرفاني يحظى على نوع من الواردات القلبيّة، والأحوال، والشّهودات، والتجربيّات العرفانيّة المنحصرة بالسّالك، والخاصّة به، ممّا لا علم بالآخرين بها. وما كان هذا شأنه بالكاد نجد تمايزه عن الأخلاق.
ولكن قد يُناقَش في هذا الفارق بما حاصله: أنَّ هناك من التصانيف الأخلاقية وتآليفها ما تطرح نوعاً عميقاً ووسيعاً من المفاهيم الخلقيّة، وهي في هذا الجانب لا تختلف كثيراً عمَّا يتعرّض إليه العرفان. وعلى سبيل المثال: مقام الاستغراق الذي تعرّض له المولى النراقي وبيانه في حالات الرسول الروحيّة العظيمة. أو مثل: مقام الانبساط وتمثيله لبرخ الأسود وسؤاله من الله تعالى بما يناسب ما هو فيه، قائلاً: ما هذا من فعالك، ولا هذا من حلمك، وما الذي بدا لك؟ أتعصّت عليك غيومك؟ أم عاندت الرياح عن طاعتك؟ أم نفذ ما عندك؟ وما لبثوا إلا واستجاب الله تعالى له.
وقد يردّ عليه بأنَّ منهج النراقي الأخلاقيّ وغيره -خصوصاً من لحقه- إنّما هو منهج تلفيقيّ بين الأخلاق والعرفان، وكتاب هذا منهجه لا يحقّ الاحتجاج به والاستشهاد بما أورده في مقام التمايز إلا ما يقطع به أنّه أخلاقيّ لا عرفاني، كأصل نظرية الوسط والأطراف السّابقة.
كما نوقِش الفارق المذكور أيضاً وردّ عليه، بأنّه: غير صالح لوجه التمايز؛ لأنّ كلّ علم بدوره يتفرّد بمصطلحاته الخاصّة، هي غير مفهومة إلا لأصحابها وأهلها ليس إلا. فلا يعدّ هذا الوجه فارقاً، إنّما هو أمر سائد في جميع العلوم والفنون كما لا يخفى.
وفي الحقيقة، ليس هذا ما رمى إليه الشّهيد المطهّري بأنَّ العرفان له مصطلحاته الخاصّة، وإنّما يفهمها دارسوها ويجهلها الآخرون، لا أبداً، ليس كذلك. بل إنّه يرمي إلى أمر آخر مختلف جدّاً، وهو أنَّ العناصر العرفانيّة -مثل الواردات القلبية والأحوال والشّهودات- هي مهما جهدوا في بيانها وتوصيفها فإنّها ستبقى قطرة من بحر الحقيقة، وغيض من فيض مشاهداتهم، وتشبيهاً لها بهذا وذاك، وتمثيلاً لها بحسّ ولمس، ممّا لا سبيل فيه لدركها إلا العلم الحضوري، ولذلك قالوا في فهمها كما هو: إنّها ممَّا تُدرَك ولا توصَف. وفيه قال العلامة المصباح اليزدي : ولا مناص لنا في بيانها إلا من طريق الألفاظ والمفاهيم، والتعريف والتوصيف، والتشبيه والاستعارة والمجاز وما شابه ذلك. وبالنهاية لا يستطيع أحد أن يدرك حقيقة المعنى كما هي بالتأكيد . هذا، إن قدروا على بيانها أصلاً، وإلّا فهناك جملة من المعارف ما لا ُتختزل في قوالب الألفاظ، ولا تؤسر بأغلال العبارات وإصرها. وإليها أشار السيد حيدر الآملي : “والله! ثمّ والله! لو صارت أطباق السماوات أوراقاً، وأشجار الأرضين أقلاماً، والبحور السبعة -مع المحيط- مداداً، والجنّ والإنس والملك كُتّاباً، لا يمكنهم شرح عُشر من عشير ما شاهدتُ من المعارف الإلهية والحقائق الربّانية”. وبهذا، كيف يتماثل العرفان مع غيره في كون كلّ واحد منهما له مصطلحاته الخاصّة؟ أهذا ما قصده الشهيد المطهري ؟!
العقل والإرادة أم المحبّة والعشق؟
وقد يُطرح مائز آخر بين الأخلاق والعرفان، وهو: أنَّ الأخلاق تبتني على عنصري الإرادة والعقل، بخلاف العرفان، فإنَّه يبتني في أدواته وغايته على المحبّة والعشق الإلهيّ فقط. وقد ناقشه بعض الباحثين بما حاصله: إنَّ غاية الأخلاق بإمكانها أن تختلف من شخص لآخر -حسب دوافعه الشخصيّة-، والأخلاق بإمكانها أنْ توظِّف في سبيل مرضاة الله تعالى لدى المؤمنين بالأديان -بغضِّ النَّظر عن غاية علم الأخلاق-. وفي الحقيقة وتذكيراً لما سلف من القول آنفاً نجد أنَّ غايات الأخلاق أعمُّ من غاية العرفان، وبالتالي، تجتمع الأخلاق مع المحبَّة والعشق الإلهي حتماً -على مستوى الأداة أو الغاية-، كما تفترق عنها حيناً آخر.
وقد يقال: إنَّ مثل هذه الأداة والغاية -المحبّة والعشق- أو غاية القربة الإلهية المتقدّمة إنما هي من مبثوثات التصانيف التلفيقيّة، والأمر يختلف تماماً مع ملاحظة الكتب الأخلاقيّة المتقدّمة.
نعم، لربما يكون هذا صحيحاً -مع أنَّ كلام ابن مسكويه السابق في غاية القربة الإلهية كان واضحاً-، ولكن ما يهمّنا هو: أنَّ الكتب الأخلاقيّة المتقدّمة تلك لم تعارض مثل هذه الأدوات والغايات -بناءً على تلفيقيّتها- ولم تمنعها في ضوء منهجها المحدّد. ولذا، لا أكاد أقطع أنّ هذا يعدّ مائزاً بين العلمين، بقدر ما هو مائز بين التصانيف والتآليف الراجعة إلى أشخاصها ومؤلّفيها، على عكس منهج العرفان الرافض لسائر غايات الأخلاق، مثل: الفوز بالجنّة، والخلاص من النّار.
وحتى لو سلّمنا أنّ الأخلاق تقتصر على أداتي الإرادة والعقل، فإنّ العرفان في بداياته لا مناص له إلا أن يرتكز عليهما أيضاً. أمّا الإرادة فضرورية، وأمّا العقل فضروري ما لم يبلغ السّالك مقام الجذبة الإلهية وتولَع فيه نار العشق وتفنيه، المعبَّر عنه -ما لم يبلغ- بالسّالك المحض، الذي لا يزال يتداول السّلوك والرياضات الشّاقة. ويعبَّر عنه -إذا بلغ- بالسّالك المجذوب، الذي بلغ بعد مجاهداته مقام الجذبة والعشق. ويقابلهما صنفان آخران، وهما: المجذوب المحض، والمجذوب السّالك. وبهذا، اشتركت أداتا العقل والإرادة بين الأخلاق والعرفان في الجملة.
نطاق النّفس والسّلوك
وأخيراً، قد يُشار إلى فارق آخر بينهما، ما محصّله: إنَّ الأخلاق تقتصر على نطاق السّلوك والعمل الإنسانيّ، بينما العرفان يقتصر على النّفس الإنسانيّة بمساحتها. ولا أظنّني بحاجة إلى شواهد أكثر ممّا مرّ لنفي هذا المدّعى المتصوَّر، سواء في الجانب العرفاني أم الأخلاقي.
خاتمة
كان المدَّعى بوجود تمايز بين الأخلاق والعرفان على صعيدَيه النظري والعملي، وقد ثبت بعد هذا صحّة هذا الادّعاء، وأنَّ بين العلمين تمايزاً في الموضوع والغاية والمنهج، على صعيد النظري منهما -الأخلاق النظرية والعرفان النظري-، وعلى صعيد العمليّ منهما -الأخلاق العمليّة والعرفان العمليّ-.
وإذا سُئلت أخيراً عن نسبة العلمين نظرياً وعملياً فيما بينهما من النّسب الأربع المنطقيّة أستطيع البتّ أنَّها نسبة العموم والخصوص من وجه. أمَّا النظري منهما فيشتركان في المنهج العقلي -كأداة- ويفترقان في الموضوع والغاية. وأمّا العمليّ منهما، فيشتركان في الموضوع -طبعاً مع اختلاف الحيثيّة فيه-، والغاية -كالقربة الإلهية-، ويفترقان في المنهج كما تبيّن.
وبغضّ النظر عن كلّ ذلك، فإنَّ هناك مشتركات كثيرة على مستوى المسائل والمطالب فيما بينهما، ولم نكن في صدد بيانها في هذه العجالة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطيّبين الطاهرين وعجّل فرجهم.
__________________________
*نقلًا عن موقع مجلة “رسالة القلم”.