الظل في الاصطلاح الصوفي
الظل في الاصطلاح الصوفي
الظل فى الاصطلاح الصوفى يعني أمرين :
1- الظل : كل ما سوى اللَّه من أعيان الكائنات ، وذلك من وجهين :
الوجه الأول: هو أنه لما لم يكن لشئ من الكائنات استقلال بنفسه لاستحالة وجود ما سوى الحق تعالى بذاته ، صارت الكائنات ظلا لله من حيث أن الظل لا تحرك له إلا بحركة صاحبه ، ولا حقيقة له ولا صورة ولا ذات ، إلا بحسب ما ينبعث عن الشئ الذى هو ظل له ، فهكذا من شهد الحقيقة ، فإنه يرى الكائنات ظلا لا تستطيع لنفسها نفعا ولا ضرا ولا موتا ، ولا حياتا ولا نشورا .
الوجه الثانى: هو أنه لما كانت حقيقة الظل ، إنما هو عدم النور الشمسى أو غيره فى بقعة ما لساتر ما صارت الكائنات ظلا بهذا المعنى ، لأن حقيقة الظل لا ترجع إلى شئ فى نفسه ، بل إنما تتعين بالنور فكذلك كل ما سوى اللَّه تعالى ، ليس هو شيئا فى نفسه، إنما هو شئ بربه ، فهو أعنى الظل المشار به إلى ما سوى اللَّه تعالى ، ما يحصل من انبساط النور الإلهى على أعيان من الأعيان الممكنات التى ليست نورا فى نفسها ، وقد يظهر الظل الذى هو ظلمة محضة ، لأنه ليس يظهر إلا بانبساط النور ، ولا هو نور محض.
وقال الكاشانى : ( الظل هو الوجود الإضافى الظاهر بتعينات الأعيان الممكنة وأحكامها، التى هى معدومات ظهرت باسمه النور الذى هو الوجود الخارجى المنسوب إليها ، فيستر ظلمة عدميتها النور الظاهر بصورها صار ظلا لظهور الظل بالنور وعدميته فى نفسه ، قال اللَّه تعالى : ( أَلَمْ تَرَى إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ ) [الفرقان/45] ، أى بسط الوجود الإضافى على الممكنات ، فالظلمة بإزاء هذا النور هو العدم ، وكل ظلمة فهى عبارة عن عدم النور ، ولهذا سمى الكفر ظلمة لعدم نور الإيمان من قلب الإنسان ، الذى من شأنه أن يتنور به ، قال تعالى : (اللَّهُ وَليُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) [البقرة/257] ).
2– الظل: يعنى وجود الراحة خلف الحجاب ، وهذا من باب إطلاق الملزوم وإرادة اللازم ، فإنه قد أطلق الظل ، وأراد الراحة التى يجدها المستظل به ، فإذا كانت السبحات الذاتية محترقة ، فالحجاب الذى يمنع سوايتها كظل يعطى الراحة، وهو تفسير صوفى لحديث أبي موسى الأشعرى رضى اللَّه عنه ، قال : قام فينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بخمس كلمات وذكر منها .. حجابه النور ، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ، ما انتهى إليه بصره من خلقه )، فسبحات وجه اللَّه كالشمس المحرقة ، والحجاب هو الظل المريح .
وربما أطلق الصوفية اصطلاح ظل الإله ، وأرادوا الإنسان الكامل ، يقول ابن عربى : (السلطان ظل اللَّه فى الأرض ، فالظل لا محالة تابع لمن هو ظله .. فإن اللَّه حجب الجميع عنه ، وما ظهر إلا للإنسان الكامل الذى هو ظله الممدود ، وعرشه المحدود ، وبيته المقصود ، الموصوف بكمال الوجود .. فجعل الإنسان الكامل خليفة عن الإنسان الكل الكبير يقصد اللَّه عز وجل ، الذى هو ظل اللَّه فى خلقه من خلقه ، فعن ذلك هو خليفة ، ولذلك هم خلفاء عن مستخلف واحد فهم ظلاله .. فأول مفتاح فتح اللَّه به ، مفتاح غيب الإنسان الكامل ، الذى هو ظل اللَّه فى كل ما سوى اللَّه .
_________________
*نقلاُ عن موقع ” التصوف الإسلامي”.