حقيقة الغزل في الأدب الصوفي
م. خالد الطيب أحمد
(السودان)
ما هي حقيقة الغزل الصوفي الصريح في قصائد السماع وفي أشعار مشايخ الصوفية؟
وكيف يمكن تأويل مقصدهم إلى الحب الإلهي الذي يقولون به؟
وهل الحيرة التي قد تعترى البعض من ظاهر تشببهم بذكر محاسن المحبوبة والتصريح بعشقهم لليلى وهند وبثينة مشروعة؟
الحقيقة أن قصائد الغزل في الأدب الصوفي والعرفاني تشير إلى مشاهدات ومعاني غيبية تبدو لهم فيما وراء العقل بالمعاني التي ولع بها العشاق والمحبين سترا منهم للمعنى المقصود
وتلميحاَ بالذي اعتاد الناس على سماعه فى التعبير عن ذلك الحال الذوقي العرفاني عندما تتعلق أرواحهم بذلك الغيب، وهو تعلق قريب شبه بتعلق أرواح العشاق بليلى وهند وبثين.
ولذلك لا ينبغي أن يعترينا حيال ذلك شك أبداً ولا يصح أن نشك في مقاصدهم الحقيقية السامية.
يقول الشيخ عبد المحمود بن الشيخ نور الدائم في ذات الموضوع وذات المعني:
يومون بالغيب للمعنى الذى ولعت
به المحبون سترا كن بهم فطنا
فإن تغنوا بنجد والعقيق منى ..
ما كان قصدهم حقاً لذين منا
أو بالرباب وعلوى وزينب أو ..
ليلى فما قصدهم الا بهن كنى
ربما أن أشهر المتغزلين بأشعار الحب والعشق الإلهي هو عمر بن الفارض الملقب بسلطان العاشقين. وقصائده في العشق سارت بها الركبان وتغنى بها العشاق. وقد جهل أكثر الناس إشاراتها العلية الخفية، والسبب في ذلك أن ظاهرها غزل صريح بالمحبوبة وما علموا أن هذه المحبوبة كناية عن الغيب الذى تتقهقر عنده العقول وتتوقف عنده الالباب ويحتار العارفون في كنهه.
يقول الشيخ عبد المحمود الطيبى:..
تغزل أرباب الطريق بعلوة ..
وليلى ولبنى والرباب بثينة
إشارات تلويح إلى المقصد الذي .. تقهقر عنه العقل من بعد حيرة
والحقيقة أن هؤلاء المشايخ العاشقين قد بلغوا مقامات غيبية علية فتغزلوا وهاموا حباً في ذلك الغيب الذي لا يرى والذى تتحير العقول فيه. وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم عن مقامهم أن تعبد الله كأنك تراه.
وهؤلاء إن لم يروا فقد عرفوا وشاهدوا في المظاهر ثم هاموا حباً وكنوا عن ذلك الغيب بالمعانى التي قد ولع بها العشاق والمحبين.
تجلت سليمى فى مرائي المظاهر
بعزتها في ظلها المتظاهر
تبدت إلينا في تجلى صفاتها
تميس بثوبى حسنها المتباهر
فكنت على أعتابها متطفلاً
فقالت فما هذا يليق بخاطر
فأرسلت أسباباً إلى الوصل سلما
لاطمع في أفضالها المتكاثر
فلما فهمت الحق من حق حقها
علمت بأن العقل أقسط جائر.