دور التصوُّف بانتشار الإسلام في أفريقيا
دور التصوُّف بانتشار الإسلام في أفريقيا
كان للصوفية دور كبير في إنتشار الإسلام في إفريقيا ، نشروه فكرا وسلوكا ، وذلك عن طريق القدوة الحسنة المقيمة بين الناس ، نشروا العدل وحرضوا عليه وقاوموا الظلم ، وساووا بين الظلم والكفر، قاوموا الاستعمار لأنهم ربطوا بينه وبين الكفر والظلم ، ولأجل ذلك تعلقت قلوب المسلمين بمحبتهم ، إلا أن البعض رأي فيهم مصانعين للاستعمار وصنايع له جهلا منهم بتاريخ الإسلام في إفريقيا من مصر إلي المحيط الأطلسي غربا والمحيط الهندي شرقا ، فإن سير الأئمة الصوفية تحكي عن ملاحم المقاومة والرفض أكثر مما تروي مظاهر الخضوع والخنوع .
لقد أخطأ المهاجمون في فهم التصوف لأنهم أخطاوا فهم روح الإسلام ورسالته فليس التصوف خمولا ولا انهزاما كما أدعوا وليس التصوف تواكلا وهوانا ورضا بالذل ولو كان هذا ، ما كان صاحبه مسلما كاملا ولا عابدا عارفا بالله.
فالتصوف قوة وبأس ونضال ، إنه تصعيد بالحياة إلي أعلى معرفة وإيمان وايقان.
أنه قوة روحية تكمن وراء كل حركة وخاطرة و تعلق بالله وحده يرفع من معنوية الإنسان في الحياة فلا يابه بطغيان طاغية ولا جبروت سلطان ول ايزن أعماله ألا بميزان دقيق أساسه مراقبة الله وتحكيم الحق الصرف في كل عمل وفي كل حركة وفي كل خاطرة وفي كل التفاتة
لقد كانت الحركة الفكرية والتجديدية في الإسلام اثرا لائمة التصوف الإسلامي ولجهودهم الضخمة في نصرة الإسلام والعمل علي النهوض بالمسلمين بل إن الإسلام لم ينتشر في أواسط إفريقيا وفي الممالك النائية في آسيا وفي جزر المحيط الهندي وفي إندونيسيا وفي ماليزيا وأيضا في أوربا في بلغاريا وفي رومانيا وفي بلاد يوغسلافيا وفي البوسنة والهرسك وكوسوفو( بلاد الصقالبة ) لم يكن كل ذلك إلا على أيدي الدعاة من الصوفية المجاهدين .
وكيف ننسى هذا التراث الروحي الكبير أو ننتقص من قيمته وهو جزء مهم من تاريخنا الوطني والسياسي فهؤلاء الصوفيون الأعلام هم الذين قاوموا طغيان الحكام وانتصروا للشعب في محنته وكافحوا الاستعمار الصليبي والايطالي والفرنسي والإنجليزي كما كافحوا من قبل ظلم المماليك وطغيانهم ، ( 1 ) لقد كان الصوفية هم من وراء تأهيل المصريين لزعامة العالم الإسلامي بعد سقوط بغداد عاصمة الخلافة وبتأييدهم وحشود مريديهم ومحبيهم انتصر المسلمون على الصليبيين في حطين وفي دمياط وفي المنصورة وانتصروا على التتار في عين جالوت وانظر تاريخ الشيخ أحمد الدرديري شيخ الطريقة الخلوتية وانظر تاريخ الشيخ عبدالله الشرقاوي شيخ الطريقة الشاذلية وانظر تاريخ الشيخ السادات والشيخ عمر مكرم والشيخ أحمد بن السنباطي وكل هؤلاء صوفيون .
وفي تاريخنا المعاصر برز الشيخ النوراني محمد بن علي السنوسي الصوفي الكبير شيخ الطريقة السنوسية في ليبيا ، هذه الطريقة التي كافحت الجهل والفوضي التي جاهدت الاستعمار الإيطالي في ليبيا جهادا شديدا ، وقد قضي الشيخ الشريف احمد السنوسي حفيد شيخ الطريقة السنوية حياته في كفاح الاستعمار الإيطالي وازعج الدويتش موسيليني زعم الحزب الفاشستي ورئيس الدولة الإيطالية وجهاد الشريف أحمد السنوسي يعتبر من أيام البطولات الخالدة في تاريخنا المعاصر ويكفي الطريقة السنوسية المجاهدة فخرا أن الشيخ عمر المختار هو أحد رجالات هذه الطريقة ومن كبار مقدميها ومن أخلص التلاميذ لقائد الجهاد الأعلى الشيخ الشريف أحمد ابن السنوسي ( 2 )
وكان من قبل الشيخ شمس الدين الدمياطي يرابط في ثغر دمياط في مواجهة العدو وكان الشيخ محمد خفاجي الصوفي الجليل يقيم هو وأسرته في دمياط في جهاد العدو كما هو مدون في تاريخه ولاننسى الشيخ الصوفي المحدث العلامة ضياء الدين الكمشخانوي من كبار رجال الطريقة النقشبندية الذين حاربوا الروس في غزوهم الظالم لمنطقة القوقاز سنة 1280هـ ولا ننسى الشيخ أحمد شاكر بن خليل علامة الروم الذي قاد كتيبة من المتطوعين من تلاميذ الزوايا الصوفية حتى فتحوا مدينة ( علكسانيج) في حرب الصرب وألقى يوم الفتح خطبة الجمعة باسم الخليفة في أكبر كنيسة هنالك .
ومن شواهد الروح الجهادية عن الصوفية ، جهاد شيخ الإسلام الصوفي محمد سعد الدين ( المتوفي عام 1008 ) الذي كان مع السلطان محمد الثالث في حرب ( هنغاريا ) وحضر المعركة المشهورة باسم( أكري) ولا ننسى جهاد السلطان الصوفي تاج الدين إسماعيل في ( دار مساليت ) الذي اعتدى عليه الفرنسيون بعد أن استولوا على ( أبشه ) في شهر ربيع الثاني 1327 هـ فحاربهم تاج الدين في ( كرندن ) وفي وادي( كجه) شرق الجنينة وهزم جيش الفرنسيين وقتل قائدهم الكابتن ( فينجشون) وغنموا منهم أسلحة وذخائر ثم اعتدي عليه الفرنسيون مرة ثانية بقيادة الكولونيل ( مول) فحاربهم تاج الدين في ( دورتي ) وانهزم جيش الفرنسيين وقتل الكولونيل مول ثم اشتغل الناس بأخذ الغنائم فانقلب النصر هزيمة وقتل السلطان تاج الدين فنال الشهادة في سبيل الله .
ويخبرنا الشيخ المؤرخ العلامة الجبرتي في تاريخه المشهور ماذا فعل الصوفية حينما هاجم الفرنسيون مصر بقيادة الجنرال( نابليون بونابرت) قال الجبرتي: خرجت الفقراء ( تلاميذ الصوفية ) وارباب الأشاير( مقدمو الزوايا) بالطبول الزمور والأعلام والكاسات وهم يضجون ويصيحون ويذكرون بأذكار مختلفة وصعد السيد عمر افندي نقيب الأشراف إلى القلعة فإنزل منها بيرقا كبيرا أسمته العامة ( البيرق النبوي ) فنشره بين يديه من القلعة إلى بولاق وأمامه وحوله ألوف من العامة بالنبابيت والعصي يهللون ويكبرون ويكثرون من الصياح ومعهم الطبول والزمور وغير ذلك وأما مصر فإنها بقيت خالية الطرق ولاتجد بها أحدا سوي النساء في البيوت والصغار وضعفاء الرجال الذين لايقدرون على الحركة(3).
ولكن آلية الحرب الفرنسية المتطورة وكفاءة التدريب العالية للجندي الفرنسي والوفرة من السلاح والذخيرة والخطة المدروسة منذ سنوات والخيانة الداخلية كل ذلك كان من جملة العوامل التي جعلت فرنسا تكسب الحرب وتحتل مصر ولكن شيوخ الصوفية الذين هم زعماء الأمة واصلوا الجهاد وأعلنوا به مع الآذان في الصلوات الخمس لقد حاول
( الجنرال نابليون بونابرت ) أن يشتري تعاونهم عن طريق تعظيمهم وتشرفهم وتكريمهم فرفضوا جميع ذلك في أباء المسلم الذي لايرضي إلا بربه (4) .
فرفضت سلطات الأحتلال إدارة جديدة من المصريين بمدينة الإسكندرية وكل من أبرزها ( المسيري ) الذي عينه ( كليبر) رئيسا للديوان بعد تحطيم الاسطول في موقعة ( ابي قير ) وهو منافق من الطراز الرفيع جدا كان نموذجا للقادة الذين يبحث عنهم الفرنسيون بل وكل مستعمر كان رائعا في تمثيله لروح العصر ومساير الزمن ولعله في الأسكندرية وحدها وعلي مائدة ( المسيري) قدم الارز في ثلاثة ألوان رمزا لراية الثورة الفرنسية ولاشك إن ( حلة ) الأرز المثلثة الالوان وأطباقه التي كان يجري توزعها والمساواة والإخاء كان كل ما فهمه المتعاونون عن الثورة الفرنسية ومبادئها وأيضا كما يود الفرنسيون أن يفهموه لهؤلاء المتعاونين ولكن قادة الشعب الحقيقين كانت لهم وجهة نظر أخري .. فعندما جمع نابليون المشاي وأراد تكريمهم .. ( قال الجبرتي ) ( فلما استقروا عنده نهض ( بونابرته ) من المجلس ورجع وبيده طيلسانات ملونة بثلاث ألوان كل طيلسانة ثلاث عروض أبيض وأحمر وكحلي فوضع منها واحدا علي كنف الشيخ الشرقاوي فرمي به علي الارض واستعفي وتغير مزاجه وانتفع لونه واحتد طبعه ( حياه الله ورضي عنه ) فقال الترجمان يا مشايخ انتم صرتم احبابا لساري عسكر وهو يقصد تعظيمكم وتشريفكم بزيه وعلامته فإذا تميزتم بذلك عظمتكم العساكر والناس وصار لكم منزلة في قلوبهم فقالوا له لكن قدرنا يضيع عند الله وعند اخواننا من المسلمين .
علق الأستاذ محمد جلال كشك قائلا :استاء إمام المدرسة الاستعمارية ( صبحي وحيد مؤلف كتاب اصول المسألة المصرية ) استاء من موقف الشيوخ هذا وعلق عليه بأن احرار أوربا كانوا يتخاطفون هذه الشارة وقتها .. نفس الشارة التي ألقاها المشايخ علي الأرض).
إن ما فعله الشيخ الشرقاوي شيخ الطريقة الشاذلية هو امتداد طبيعي للنشاط الجهادي للسادة الصوفية ولننظر مافعله صديقه الشيخ المهدي ذلك الشيخ الصوفي في معركة ( سنهور ) في 3 مارس 1799م.
قال الاستاذ كشك في كتابه ( ودخلت الخيل الأزهر ) ناقلا عن الرافعي في كتابه ( التاريخ العلمي والحربي للحملة الفرنسية ):
وصل المدد إلي الرحمانية وانضم إلي الجنود الذين بها وسارت القوات الفرنسية مجتمعة فالتف برجال المهدي ( وهو اسم وليس لقبا ) يوم 3 مايو بسنهور البحيرة علي مقربة من دمنهور ودات معركة من أشد المعارك هولا قال ( ريبو ) في وصفها إن عدد رجال المهدي كانوا خمسة عشر ألف من الفرسان وإن القتال استمر سبع ساعات كان فيها أشبه بمجزرة فظيعة وهذه الواقعة من أشد الوقائع التي واجهها الفرنسيون في القطر المصري اظهر فيها اتباع المهدي من الفلاحين والعرب شجاعة كبيرة واستخفافا بالموت لا نظير له وبذل الكولونيل ( لفيفر) أقصي ما انتجه العلم والفن في القتال بجعل جيشه علي شكل مربع علي الطريقة التي ابتكرها نابليون وهجم علي الجموع المقاتلة عشرين مرة فكان يحصد صفوفهم حصدا بنيران البنادق والمدافع وكان اتباع المهدي قد غنموا في دمنهور مدفعا فرنسيا فاستخدموه في المعركة وركبوه علي مركبة تجرها الثيران واخذوا يطلقون منه النار علي الفرنسيين واستمر القتال حتي جن الليل وكان الجنود الفرنسيون قد خارت قواهم من القتال ففكر ( لفيفر ) في الانسحاب من الميدان والاتجاه إلي الرحمانية ولكن جموع المهدي لكثرة عددها كانت تسد الطريق امامهم فأمر رجاله ان يضموا صفوفهم ويخترقوا الجموع التي طوقتهم وركب المدافع علي رؤوس المربع لاقتحاح هذه الجموع وانحسبوا من ميدان القتال بعد أن فدحتهم الخسائر ).
إن موقف الشيخ الشرقاوي والشيخ المهدي وهما من أعلام شيوخ الصوفية يذكرنا بموقف ذلك الشيخ الصوفي سليمان المنصوري يقول الاستاذ محمد جلال كشك وهو ينقل عن الجبرتي ويعلق وفي سنة 1148 هـ ، 1735 م ) أصدر السلطان مراسيم واوامر منها ( إبطال مرتبات أولاد وعيال ومنها ابطال التوجيهات وان المال يقبض إلي الديوان ويصرف من الديوان وأن الدفاتر تبقي بالديوان ولاتنزل بها الافندية الي بيوتهم فلما قري ذلك قال القاضي ( التركي ) أمر السلطان لايخالف ويجب طاعته.
فماذا كان موقف الشيوخ في مواجهة هذا التهديد ( قال الشيخ سليمان المنصوري ياشيخ الإسلام هذه المرتبات فعل نائب السلطان وفعل النائب كفعل السلطان وهذا شيء جرت به العادة في مدة الملوك المتقدمين وتداولته الناس وصار يباع ويشتري ورتبوه علي الخيرات ومساجد وأسبلة ولايجوز ابطال ذلك وإذا بطل بطلت الخيرات وتعطلت الشعائر المرصد لها ذلك فلا يجوز لاحد يؤمن بالله ورسوله أن يبطل ذلك وإن امر ولي الأمر بابطاله لايسلم له ويخالف أمره لأن ذلك مخالف للشرع ولايسلم للإمام في فعل مايخالف الشرع ولا نائبه ايضا.. فكست القاضي فقال الباشا هذا يحتاج إلي المراجعة ).
هذه السطور الأخيرة من المرافعة الدستورية للشيخ المنصوري أليست كافية وحدها لكشف زيف كل ما يكتب عن الدور التحضيري الذي لعبته الحملة الفرنسية أو الاستعمار الغربي أو أوربا في المفاهيم السياسية بالعالم الإسلامي؟
هل هنالك حكم بعدم دستورية مرسوم سلطاني أوضح وأجرأ وأكثر دقة من هذا الحكم الذي اصدره الشيخ المنصوري فاسكت القاضي وألزم الباشا أن يقول أن الأمر يحتاج لمراجعة.
هذا المبدأ الخطير الذي يعلنه الشيخ ( المنصوري ) عن اي مرسوم سلطاني يخالف الشريعة أي يخالف الدستور .. الشرع .. يعلنه الشيخ الأزهري في سنة 1148 هـ ( 1735 م) أي قبل سقوط الباستيل بأكثر من نصف قرن قبل أن يفكر أي عقل غربي في الفارة الأوربية بجواز معارضة الملوك فضلا عن أن يجرؤ علي ذلك في مواجهة السلطة ويمثل هذا الوضوح والتحدي .
إن أخر مايمكن أن تعلمه أوربا للشرق الإسلامي هو فكرة بشرية الحاكم ومن ثم افتراض الخطأ أو الصواب في أحكامه الأمر الذي ينبني عليه حق الاعتراض والنقد وبطلان الأحكام الخاطئة .
لقد ظل الصوفية منذ كانوا أعداء للظلم والظالمين وكان شيوخهم نماذج يقتدي بها ومن أشهرهم الشيخ عثمان بن فودي ففي عام 1810م قام الشيخ عثمان بن فودي وهو من كبار شيوخ الطريقة القادرية وجمع جيشا من ( فوتا ) و( ليتاكو ) و( ماسينا) و( سنكوي ) وأعلن الجهاد ودعا إلي رفع الظلم عن أهالي ( جوبر) وعلي ( الحوصة ) واستولت علي ( نساوة ) عاصمة ( جوبر) ثم علي (سكتو) و( كتسينا ) و( زندر ) و( كنو ) و ( زاريا) وغيرها من المدن واقام بين ( نهر النيجر) و( بحيرة تشاد ) دولة جعلت عاصمتها عند ( ورنو) الغربية من(سكتو) وأخذ في توزيع رقعتها حتي وصلت حدودها إلي ( نوبا ) في الجنوب الغربي وإلي ( إدمار ) في الجنوب الشرقي توفي الشيخ بن فودي عام 1815م إثر نوبة من الوجد غشيته .
إن الدول التي أنشاها الشيخ عثمان بن فودي – شيخ الطريقة القادية – قد استمرت الي اربع وتسعين ( 1819م- 1904م) وكان آخر سلاطينها السلطان ( مياسو) 1877 – 1904 الذي لم يستطع أن يقاوم الجيوش الانجليزية بقيادة ( فردرك لجارد) التي احتلت سكتو عام 1904 وقضت علي دولة الإسلام التي اقامها شيخ الطريقة القادرية في بلاد الحوصا.
وحين قامت الحركة المهدية في السودان لازالة المنكر والظلم والطغيان وتحكيم القوانين الوضعية والمكوس وإذلال النفوس المؤمنة شارك الصوفية بمشخيتهم ومريديهم في تلك الحركة وبعض هؤلاء الشيوخ له رايه الخاص في حقيقة مهدية الإمام محمد أحمد بن السيد عبدالله ولكن النظرة العامة التي تمثلت في هدف الثورة المهدية غلبت الرأي الخاص.
فهذا هو الشيخ عبدالباسط الجمري من مشايخ الطريقة السمانية وقد ولاه المهدي علي عريان الدويم وأمره بحصار الدويم فحاصرها حصارا شديدا حتي أن عبدالقادر باشا اضطر إلي إرسال ( جيكلر) من الخرطوم فهاجم العربان في ديمهم وقتل منهم خلقا كثيرا وأخذ الشيخ عبدالباسط الجمري اسيرا وتم إرساله إلي عبدالقادر باشا بالخرطوم الذي اعدمه شنقا فنال الشهادة في سبيل الله .
وهناك الشريف أحمد طه شيخ الطريقة السمانية ( شرق الازرق ) بين أبي حراز ورفاعة ورفع رايات الجهاد واجتمع حوله خلق كثير من البطاحين والشكرية والجعليين والدناقلة وغيرهم من سكان تلك الجهات فأرسل إليه ( جكلر باشا ) كتيبة بقيادة المك يوسف السنجك فاحاط بهم الشريف أحمد طه ورجاله وهزموهم هزيمة منكرة ثم هجم جكلر علي رأس جيش ضخم وارسلوا إلي الشريف ينصحونه بالإستسلام قال قولته المشهورة ( دعوا النصيحة فإني قد أوقدت نارا – يعني نار الجهاد – واريد أن أتدفأ بها ) ووقعت المعركة التي كانت الغلبة فيها للرصاص حتي تراكمت القتلي بعضها فوق بعض وقتل الشريف أحمد طه شهيدا ثم حرقوا قرية الشريف بالدار وحملوا جثته علي جمل وأوا بها إلي ابي حراز ثم قطع جيكلر باشا رأسه وعلقه علي عود ثم أرسله إلي الخرطوم فعلق فيها أياما!! فأنظر إلي هذا الحقد الدفين علي الإسلام وأهله.
وهنالك الشيخ عبدالله ود الشيخ حمد النيل شيخ العركيين كان أميرا علي قومه من قبل المهدي ومعه الشيخ ود البحر وذلك بعد وقعة شيكان فلحقوا بالشيخ محمد ودالبصير شيخ السمانية الذي كان يقاتل صالح المك في منطقة فداسي ونزل شيخ العركيين من جهة جنوب الخندق لمنع المدد من سنار ونزل الشيخ ود البصير في شمال الخندق لمنع المدد من الخرطوم وأرسل صالح المك إلي غردون يطلب المدد ولكن مركز غردون كان حرجا فلم يستطع انجادهم كما أنهم يئسوا من مدد سنار ولكن غردون رفع رتبة صالح المك إلي درجة لواء !! ورفع رتب كل ضابط في جيشه !! تحميسا لهم علي مواصلة القتال!! وماذا تغني رفع الدرجات العسكرية لقوم احاط بهم جند الله ورفع درجاتهم الي مقعد صدق عند مليك مقتدر!! فيئس صالح المك من مواصلة القتال فاستسلم هو وحاميته .
وهنالك الشيخ عبدالقادر أبو الحسين شيخ السمانية اليعقوباب حضر مع المهدي موقعة شيكان ثم ذهب مع أبي فرجة إلي فداسة لمساعدة الشيخ عبدالله ود الشيخ حمد النيل في حربه ضد صالح المك وبعد استسلام الحامية قصد سنار خرج عليه مديرها حسن بك صادق بمعظم العساكر وذلك في 11/7/1884م فأوقعه شيخ السمانية في كمين بين اصحاب الاسلحة النارية من الوراء والحرابة (اصحاب الحراب) والأسلحة البيضاء من الإمام .
وأنظر إلي شيخ الإسلام الإمام العلامة الاستاذ محمد البدوي شيخ الطريقة التجانية أدرك الإمام المهدي وجاهد معه الإنجليز والأترا لكونهم اظهروا الفسوق والطغيان فاستحقوا لذلك التطهير بالسيف ومن مواقفه المشهورة في قول الحق منعه اللورد كرومر المندوب السامي لملك بريطانيا الذي يرجف من هيبته خديوي مصر منعه دخول المسجد بامدرمان وقال ( لايصح دخوله المسجد ) وكان الشيخ الإمام محمد عبده حاضرا فافني بصحة دخوله فقال الشيخ محمد البدوي ( دخوله المسجد لايصح وهو مشرك كافر والله يبارك وتعالي يقول إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام ) ثم إلتفت إلي اللورد كرومر وانتهره نهره شديدة تقهقر لها المندوب السامي البريطاني الذي يرجف من هيبته ملك مضر .
وهنالك الشيخ الطيب احمد هاشم ابن الشيخ أحمد هاشم قاضي بربر وعالمها وأخوه شيخ الإسلام أبوالقاسم أحمد هاشم أدرك المهدية وشارك في حروبها وكان وزيرا للأمير الصوفي الشيخ محمد الخير خوجلي التجاني وكان الشيخ الطيب أحمد هاشم هو التردد بالرسائل بين الامير والمهدي وصحب الشيخ محمد الخير في إمارته علي دنقلا ثم شغل منصب اول مفتي للسودان واقام في الإفتاء مدة ربع قرن .
وهناك الشيخ محمد الخير خوجلي شيخ الطريقة التجانية وأمير المهدية علي بربر ونواحيها هاجر إلي المهدي في كردفان فجعله أميرا علي بربر وأصحبه رسائل إلي رؤوس قبائلها يدعوهم فيها إلي طاعته والجهاد معه ضد الترك فرجع الأمير محمد الخير من عند المهدي في 27/4/ 1884م ونزل في وادي بشارة فلقي الشيخ الصوفي احمد الهدي شيخ الطريقة التجانية فبايعه علي الجهاد ثم سار شمالا بصحبة الشيخ احمد الهدي وهو يدعو الناس في طريقه فيجيبونه حتي دخل المتمة في جيش كبير فلقي فيها الحاج علي ود سعد النفيعابي فبايعه علي الجهاد ثم لحقه الشيخ محمد حمزة السعدابي الذي قطع التلغراف بين بربر والخرطوم وأرسل الامير محمد الخير بعض رجال فقطع التلغراف بين بربر ومصر وكان قطعه من أكبر الضربات علي غردون ثم وصل إلي الدامر فلقي فيها الشيخ الامين أحمد المجذوب شيخ المجاذيب فبايعه علي الجهاد وارسل الشيخ محمد الخير رسالة من الدامر إلي حسين باشا مدبر بربر وضابط الحامية هناك يدعوهم إلي التسليم وثم عاودهم بالإنذار إلي ثلاث مرات فلما راي إصرارهم علي الحرب سير عليهم الجيوش من الدامر تباعا ثم وصل هو إلي بربر 12/5/ 1884م فنزل مع الحاج ود سعد وعبدالماجد أبو لكيلك في حلة ( الدكة ) فحصر بربر من الشمال وأمر ود بنونة السعدابي فنزل في ( قوز الفونج ) وحصرها في الجنوب وحصرها البشاريون والجعليون من الشرق وبدأت المعركة في صبيحة الجمعة 16/5/1884 فكانت ملحمة من أروع الملاحم بقيت أمجادها تراثا للمسلمين وسقطت بربر فسقط غردون فقطع دابر القوم الذين ظلموا .
وهناك الشيخ أحمد الهدي السوارابي – شيخ التجانية – أرسل إليه المهدي سيفا وألف ريال والإمارة علي دنقلا فلما نزل عليه الشيخ محمد الخير في وادي بشار بايعه علي الجهاد وسار معه إلي حصار بربر وارسل خاله ود عبود بخطاب إلي الشيخ الطيب الشايقي السوارابي يستنهضه للجهاد فجمع الشيخ الطيب جموعه ونزل علي دار الحكومة فسيطر علي المواقع فيها واستلب الخزينة والشونة ثم سار في وجه شمالا يستنفر أهل البلاد للجهاد وكان مدير دنقلا مصطفي باشا ياور قد لحق به في منطقة ( الكرو ) شمال ( دبة الفقراء ) وباغت الشيخ الطيب بالهجوم فقتل فيهم مقتلة عظيمة وشتت جموعهم وكان ذلك قبل سقوط بربر بيوم ولما سقطت بربر تحرك الشيخ الهدي في نحو أربعمائة مقاتل وجاء بلاد الشايقية ونادي بالنفير فاجتمع عليه الناس من الشايقية والشيخ النعمان ود قمر شيخ المناصير وبعض بادية الحسانية والهواوير فزحف بهم قاصدا الدبة وهاجم حاميتها التي كانت محصنة بالمدافع فقتل الشيخ نعمان ودقمر شهيدا وقتل من جيش الشيخ احمد الهدي 2700 شهيد ثم جرت الملحمة الكبري في يوم الخميس 4/9/1884م قرب ( كورتي ) وكان معركة عنيفة قتل فيها الشيخ الهدي شهيدا وقطع فيها مصطفي ياور باشا رأس الشيخ أحمد الهدي رحمة الله عليه وارسله إلي سردار الجيش المصري بحلفا وطلب منه أن يرسله إلي الخديوي بمصر فكتب إليه السردار بأنه لم تجر العادة في هذه البلاد بمثل هذه الافعال وقد نعي الإمام المهدي في رسالته التي أرسلها إلي ( زقل) امير دارفور بتاريخ 8 ذي الحجة 1301 هـ الموافق 29/ 12/ 1884م نعي فيها الشيخ أحمد الهدي وأشاد بجهاده في رفع راية الإسلام .
وهناك الشيخ العبيد ود بدر شيخ الطريقة القادرية التي زحف بجيش عظيم علي غردون في الخرطوم وحاصر المدينة من جهة الشرق ومعه أبناؤه الشيخ إبراهيم والشيخ العباس ومعهم الشيخ المضوي أحد شيوخ الطريقة القادرية وكانت أول المعارك في حصار الخرطوم هي المعركة التي قادها الشيخ العبيد ودبدر في 13/3/ 1884م والتي تم فيها ترقية ابراهيم بك فوزي إلي درجة لواء !! ( وعلي طريقة غردون في تحميس ضباطه علي القتال ) ثم توالت سلسلة الاقتحامات والمعارك واستطاع الشيخ العبيد ودبدر ان يصطدم بمحمد علي باشا – أفضل القادة العسكريين لدي غردون – وأن يهزم جيشه وأن يقتل محمد علي باشا وكان وقع هذا الخبر علي غردون شديدا حتي أنه أقام عزاء رسميا عزاه فيه رؤساء العسكرية وقنصل اليونان ثم جرت بعد ذلك الملاحم التي انتهت بسقوط الخرطوم ومقتل غردون باشا وقيام دولة الإسلام.
رضي الله عن السادة الصوفية فقد أبلوا بلاء حسنا في جهادهم الأصغر والأكبر ورفعوا راية الإسلام عالية وكانوا هم النموذج القدوة في تزكية النفس وفي جهاد العدو – الجهاد الأصغر والأكبر – وسوف تظل منارة الإسلام عالية شامخة في سماء المجد ما دام هؤلاء السادة موجودين بيننا .
الجهاد في سبيل الله : الطريقة التجانية أنموذجا
لم يكن الإستعمار الفرنسي بالجزائر احتلالا عسكريا أو استنزافا اقتصاديا فحسب وإنما كان يريد إلغاء شخصية الشعب وتذويبها ، لقد كان الاستعمار في الشرق العربي يعرف أن العرب سيظلون عربا ولذلك لم يفكر يوما من الايام أن يجعلهم انجليزا أو فرنسيين أما في الجزائر فقد حاول أن يجعلهم فرنسيين أو يجعلهم ( لا شيء ) ولذا لاذ الشعب العربي السملم في الجزائر بالدروع التي هي اقوي الدلالات علي شخصيتهم واقوي مايميزه عن أوربا كلها .. دروع الإسلام .. ممثلة في شيوخ الصوفية وكلما كان الإستعمار الفرنسي يمعن في تمزيق شخصية الجزائريين ومحوها كان الجزائريون يزدادون اعتصاما بهذه الدروع.
وكان يوما مشهودا في الجزائر يوم صلي الجزائريون أول جمعة في مسجد(كنشاوة) فهذا المسجد الجزائري القديم كان آخر حصن تحسن به المقاتلون الجزائريون يوم احتل الفرنسيون البلاد فسقط في صحنه أكثر من ثلاثمائة شهيد وكان أول عمل قامت به فرنسا ان حولته إلي كنيسة كاثوليكية ولقد صمم الجزائريون بعد ذلك الثورة في أول نوفمبر أن تكون أول صلاة جمعة لهم في هذه الكنيسة بعد أن أعادوها مسجدا .
وقد كانت ملاحم الصوفية في سبيل الله واستعادة هوية الأمة المسلمة شاهدا ومشهودا فأنظر إن شئت إلي موقف التجانيين والقادريين والشاذليين والدرقاويين وغيرهم .. تري أمرا يملا العين ويشرح الصدر ويعظم في القلب.. خذ الطريقة التجانية مثلا فقد ثار الشريف أحمد عمار ( حفيد الشيخ التجاني) في وجه فرنسا ثورة امتدت لعدة سنوات وفي أوائل سنة 1860 اقتحمت الجيوش الفرنسية بقيادة الجنرال ( سونيز) بلدة عين ماضي مقر الشريف احمد عمار وقمعت الثوار واعتقلت الشريف عمار وسجنته في مدينة الجزائر سنة كاملة ثم قامت في الحرب السبعينية بين فرنسا وألمانيا خافت فرنسا علي وضعها الاستراتيجي في الجزائر أن يهتز فيؤثر علي حربها في أوربا ولم تخش إلا ذلك الرجل – الشريف عمار – فنفته من الجزائر واعتقلته في فرنسا ثم خشيت أن يقوم أخوه الشريف محمد البشير بالثورة أيضا فاعتقلته والحقته بالمنفي وبقيا طوال الحرب السبعينية معتقلين في فرنسا .
ثم جاء ابناء الشريف محمد البشير ليواصلوا الجهاد والحرب على فرنسا فهذا هو الشريف محمود بن الشريف البشير يتعاون تعاونا وثيقا مع الأمير عبدالكريم الخطابي أمير الجهاد في حرب الريف .
وقد خرج الشريف ابن عمر- وهو الإبن الأكبر للشريف محمد الكبير بن الشريف البشير – وطاف العالم العربي والإفريقي فدخل مصر والسودان والسنغال ومالي ونيجيريا والكنغو يشرح القضية الجزائرية ويدعو المسلمين للتكاتف وتاييد أخوانهم في الجزائر وكانت فرنسا تراقب نشاطه ولما عاد لجزائر تم استجوابه واعتقاله ، وقد نشرت المصور المصرية في عددها الصادر في 14 / 12/ 1956 صور بعض زعماء جيش التحرير الجزائري وكان أحد هؤلاء الزعماء من التجانيين وفي 18/3/1957 أذاعت محطة ( صوت العرب ) من القاهرة أن الفرنسيين اعتقلوا الشريف ابن عمر زعيم التجانيين والسيد باش اغا حميدة والسيد مولودي ووجدوا عندهم صلة وثيقة بالثوار ، وهؤلاء الثلاثة من زعماء التجانيين ، لقد تربي التجانيون علي بغض فرنسا التي حاولت مسح الشخصية المسلمة ومحو الهوية العربية .
وانظر ماكتبه عبدالله شليفر مستشرق أمريكي مسلم له عدة دراسات منها كتاب ( سقوط القدس) وكتاب ( فكرة الجهاد في العصر الحديث ) وقد نشر بحثا بعنوان ( الشيخ عزالدين القسام : حياته وفكره 9 قال في بحثه :
في 21 تشرين الثاني نوفمبر 1935 نشرت صحيفة جيروزلم بوست علي ثلاثة أعمدة في صدر صفحتها الأولي نبأ اصطدام رجال الشرطة البريطانيين بمسلح عرب بجوار (جنيين ) واصفة المسلحين برجال العصابات وقطاع الطرق ذاكرة ان الشيخ عزالدين القسام كان بين القتلي ناعتة إياه بمنظم العصابة غير أن دوائر الاستخبارات البريطانية والصهيونية أعلم بالحقيقة فهي تعرف أن الشيخ عزالدين القسام رئيس لجمعية الشبان المسلمين وخطيب واسع الشعبية في جامع الاستقلال بجوار محطة حيفا الحديدية وماذون في محكمة حيفا الشرعية ثم إنه كان تحت المراقبة وقد استدعي للتحقيق معه ووجه إليه التحذير من الدعوة العلنية للجهاد ضد الاحتلال البريطاني والاستعمار الصهيوني خلال العقد المنصرم ثم إنه كان متهما بتنظيم سلسلة من الهجمات المسلحة السرية علي المستوطنيين اليهود والموظفين البريطانيين في حيفا وجوارها ابتداء من اوائل الثلاثينيات .. وانتقل إلي جبال بجار ( يعبد ) بين نابلس وجنيين في أوائل تشرين الثاني نوفمبر وبعد مقتل شرطي يهودي عامل في القوات البريطانية طوقت مجموعة عزالدين القسام بقوة كبيرة من الشرطة والجيش البريطاني ودعيت للاستسلام غير أن عزالدين القسام دعا رجاله للمقاومة والاستشهاد وفتح النار علي القوة التي كانت تطوقه وقد الهب تحديه والطريقة التي استشهد به حماس الشعب الفلسطيني.. وبعد خمسة اشهر استطاعت مجموعة من المجاهدين بقيادة أحد رفاق عزالدين القسام أن تنصب كمينا لمجموعة من اليهود في شمال فلسطين وفي الاسابيع اللاحقة نشأت في مختلف أنحاء فلسطين مجموعات من الفدائيين في القري والمدن بقيادة أخرين من انصار عزالدين القسام وبذلك بدأت ثورة عام 1936م
ولد عزالدين القسام في جبلة في منطقة اللاقية في سوريا عام 1882م – 1300 وكان جده وشقيق جده اللذان قدما إلي جبلة من العراق شيخين بارزين في الطريقة القادرية كذلك كان والده عبدالقادر موظفا في المحكمة الشرعية في ظل الحكم العثماني وهناك قول آخر بأن والده كان يتبع الطريقة النقشبندية ايضا والتي لعبت دورا ملحوظا في مكافحة الفتوح الاستعمارية في القرن التاسع عشر في سوريا. وفي أوائل العشرينات التقي عزالدين القسام بالشيخ الجزائري محمد بن عبدالمالك العلمي الذي عمل علي الحصول علي إذن لزوجة عزالدين القسام وبناته للخروج من سوريا واللحاق بالشيخ في فلسطين وللشيخ الجزائري اثر آخر علي الشيخ عزالدين القسام فهو مقدم في الطريقة التجانية جاب الشرق العربي في اوائل القرن العشرين وأنشا فروعا وزوايا لهذه الطريقة في مصر والسودان وليبيا وسوريا وفلسطين والعراق والجزيرة العربية وادخل عزالدين القسام وثلاثة آخرين في هذه الطريقة حتي بلغ رتبة مقدم فيها وإذا كان عزالدين القسام لم يسع إلي إدخال الآخرين في هذه الطريقة فإن حركة المجاهدين التي بناها في حيفا كانت علي أساس الطريقة التجانية .
في حياة عزالدين القسام شيء يصعب إدراكه حتي علي اشد المعجبين بالحركة القومية العربية فهذا أحمد الشقيري يكتب بتأثر عن محاولته كمحامي قوي شاب للدفاع عن القساميين الذين نجوا بعد معركة ( يعبد) ويشير إلي ذهوله أمام هدوئهم ورباطة جأشهم بانتظار المحاكمة ، لقد اعتقد أحمد الشقيري في بحثه عما يدافع به عنه أن القساميين تعرضوا لتعذيب وإكراه علي الاعتراف والواقع أنهم اعترفوا بحرية باسهامهم في المعركة وقالوا إنهم مجاهدون في سبيل الله ولن يصيبهم إلا ما كتبه الله لهم ) انتهي مانقلناه من بحث المستشرق المسلم عبدالله شليفر.
وفي كتاب ( الإسلام والنصرانية في إفريقيا ) لمؤلفه الفرنسي ( بوني موري) تحت عنوان ( التجانية ):
هنالك الطريقة التجانية مؤسسها أحمد بن محمد التجاني المتوفي في فاس سنة 1782 وكان يتظاهر بالتسامح مغ غير المسلمين ومع هذا ففي النصف الثاني من القرن التاسع عشر لم تقف التجانية عن استعمال القوة في مخاصمة أقرانهم ونشر العقيدة الإسلامية وأهم مراكز التجانية عين ماضي علي سبعين كيلومترا في الجنوب الشرقي من الأغواط وفي تماسين وهم كثيرون في مراكش ولقد تبع الطريقة التجانية عدد كبير من أهل ( ماسينا) في السودان ( وأهالي فوتا تورو) و ( فوتا جالون ) وأمه ( البله) وصاروا من أشد انصار الإسلام وانضموا حول راية الحاج عمر هذا ابن شيخ مرابط ولد سنة ( 1779 ) في قرية الفار من بلاد ( ديمار) فرباه أبوه وعلمه ثم حج البيت الحرام وزار المدينة وقرأ مدة في الأزهر وعاد إلي (بورنو) سنة 1833 ثم ذهب إلي بلاد الهوسا وأخذ بعظ الناس بالرجوع إلي عقيدة السلف وفي أثناء ذلك جاء أخوه ومضي به إلي بلاد ( فوتا السنغال) فعرج علي بلاد( البمبارا) وحصلت معه هناك حوادث وعوارض كثيرة لكنه تغلب عليها وانضم إليه في بلدة( كونكان ) رجل يقال له محمدو سار علي طريقته وادخل في الإسلام فرقة من ( البله) يقال لهم( الواسو لونكه) ولما عل كلمة الحاج عمر ونظر إليه الناس نظرهم إلي المهدي حشد جيشا صغيرا وآثار جميع مسلمي بلاد( غابون ) وهزم البمبارا الوثنيين شر هزيمة في( مونيا ) واستولي بعدها علي ( كونياكري) سنة 1854 وجعل مقره العام في( نيورو) ثم استولي علي مملكة (سيقو) وعلي بلاد ماسينا وكانت وفاة الحاج عمر سنة 1865م وهو في حرب مع مسينا ثم وقد خلف للطريقة التجانية سلطنة إسلامية عظيمة في وسط بلاد الزنوج الفتيشيين ثم خلف الحاج عمر ابن أخيه ومريدا آخر له اسمه أحمدوا شيخو وحاولا توسيع فتوحات الحاج عمر وآثارا أهالي فوتا تورو والسوننكة الذين في بلاد كاراته والتوكلولور الذين في السنغال علي فرنسا فصار وجود هذه السلطنة التجانية في وسط السودان خطرا عظيما علي سيادتنا وكان تحرير الخلاف هو هذا : هل يتم تمدين السودان الغربي علي يد فرنسا وضباطها المبشرين المسيحيين أم علي يد التجانية رسل الإسلام ؟. فالكولونيل ( ارشينارد) بأخذه( جنة ) و( بندجاقار) أوقف غارة التجانية في هذا القسم من إفريقية ويسر فتح السودان بين يدي المدنية الاوروبية ثم عقب ذلك فتح الكولونيل ( دور غنيس ديبورد) لبلد باماكو واستلحاق القومندان ( غلييني ) لبلاد( فوتا جالون ) وافتتاح الكولونيل ( ارشينارد) لبلاد ( ماسينا ) وتتوجت جميع هذه الفتوحات باحتلال ( تمبكتو) في 10 يناير 1894 مما خلد أعظم الشرف للعساكر الفرنسيين واعاد ذكري ظفر (شارل مارتل ) في بواتييه بسبب ما كان يترتب من النتائج العظام لمستقبل افريقية في ما لو لم يتم هذا الظفر – انتهي كلام ( بوني موري) أنظر كتاب ( حاضر العالم الإسلامي )
فها هو رأي الفرنسيين في الطريقة التجانية وكيف أنهم يعتبرونها أكبر عدو لهم في المنطقة وأنهم هم الذين كانوا يعوقون تقدم الاستعماريين الفرنسيين ولقد علق الاستاذ الامير شكيب أرسلان علي كلمة هذا الكاتب بونه موري التي في آخر المقال اعلاه وهي :
اعاد ذكري ظفر ( شارل مارتل ) في بواتييه بسبب ما كان يترتب من النتائج العظام لمستقبل افريقية في ما مالو لم يتم هذا الظفر : قال :
بشير إلي ان افريقية كانت تكون كلها إسلامية لولا قضاء الفرنسيين علي سلطة التجانية هذه كما أن اوربا كانت تكون إسلامية لولا انتصار شارل مارتل علي العرب في بواتييه وهلي الكلمة التي يتفق عليها مؤرخو الأفرنج.
يقول د. عبدالله عبدالرازق ابراهيم في كتابه ( المسلمون والاستعمار الأوربي لإفريقيا )
وفي عام 1852م أعلن الحاج عمر الجهاد ضد الوثنيين في السودان الغربي واستطاع خلال عشر سنوات أن يسيطر علي تل السودان الغربي من حدود مدينة تمكبت حتي حدود السنغال الفرنسية ورغم أنه اعتبر نفسه مصلحا دينيا وأعلن الزهد في الأمور الدنيوية المؤقتة ألا أنه كان مستعدا لتحقيق أماله من خلال الطرائق السياسية والعسكرية واعتبر الحاج عمر أن رسالته المقدسة هي تنقية الإسلام في السودان الغربي من كل ما علق به من شوائب ووضع حد للوثنية وتطبيق الشريعة الإسلامية ومن هنا وضع نفسه علي رأس دولة إسلامية واتبع اسلوب العنف في تحويل الناس الوثنيين الي الشريعة الإسلامية وقام ببناء المساجد ونشر المدارس القرآنية في كل أرجاء المنطقة التي امتدت إليها حركته الإصلاحية
وكان حماس جيشه واضحا في تطبيق مباديء الشريعة الإسلامية وكان هذا الحماس سببا في زيادة عدد الأتباع الذين انتشروا علي نطاق واسع يدافعون عن الدين ويعيدون للإسلام مجده في هذه المنطقة لدرجة ان حاكم السنغال الفرنسي عبر عن دهشته لهذا الحماس الديني واندفاع المسلمين بكل شجاعة وقوة نحو نيران الفرنسيين سعيا في الاستشهاد في سبيل الله والوطن .
وكان الحاج عمر قد ارسل إلي المسلمين في سانت لويس يطلب منهم شن حرب مقدسة ضد حكامهم الوثنيين والمسيحيين ووعدهم بمحاربة الفرنسيين حتي يطلبوا السلام منه وقال : ( إن الحرب ضد الوثنيين يجب ان تستمر حتي يوافقوا علي دفع الجزية).
وكانت هذه الدعاية التي نشرها الحاج عمر على طول نهر السنغال ضد الفرنسيين من العوامل التي جعلت القائد الفرنسي فيدهرب يخشي قوة الحاج عمر ويفكر في دراسة الموقف جيدا على نهر السنغال بل ذهب شخصيا في احدي السفن إلى باكل لمعرفة الاخبار على الطبيعة وادرك فيدهرب أن الحاج عمر يرغب في أن يدفع الفرنسيون ضرائب له بالإضافة إلي منعهم من اقامة مراكز عسكرية علي طول شواطي النهر واكد فيدهرب في مراسلته المستمر الي باريس علي ان الحاج عمر ينوي شن هجوم شامل علي الفرنسيين اسوة بالأمير عبدالقادر الجزائري وفي فبراير عام 1856 كتب إلي وزير المستعمرات والبحرية قائلا ( إن الحاج عمر ينظم لثورة عامة ضدنا ).
كل هذه الامور كانت سببا في أن يتحفز الفرنسيون لاتخاذ إجراءات عسكرية لمواجهة خطط قائد المسلمين وترتيب علي ذلك قيام الفرنسيين ببناء قلعة في مادينا في مقاطعة كاسو Khasso ووقع فيدهرب معاهدة الصلح والتجارة مع سامبالا ملك كاسو.
وبعد أن ثبت فيدهرب مركز الفرنسيين علي طوال نهر السنغال بدأ يسعي لعقد معاهدة سلام مع الحاج عمر فاصدر قبل سفره إلي باريس تعليمات إلي نائبه موريل بشأن التفاوض مع الحاج عمر علي مشروع الاعتراف به كملك الكارتا مقابل أن يحد من نشاطه في هذه المنطقة .
ويتضح من هذه المحاولات أن الفرنسيين يحاولون التعامل مع الحاج عمر مثلما يتعاملون مع الامير عبدالقادر الجزائري بعد توقيع اتفاق تافنه Tafna معه في عام 1837 ويعني هذا تدعيم موقفهم قبل الدخول في توسيعات كبري وبعد عودة فيدهرب الي السنغال في نهاية عام 1856 بدأ الحاج عمر كفاحه المباشر مع الفرنسيين بمهاجمة مركز مادينا وهو الامر الذي ضيع فرص السلام بين الطرفين وكان الحاج عمر يرغب بعد غزو كارتا في أن يضم وطنه في فوتا تارو إلي المناطق التي سيطر عليها خصوصا وأن سكان المنطقة كانوا من المتعصبين لقضيته وكانوا يكرهون الحكم المسيحي الذي يعتبر بمثابة الشوكة في صدورهم ذلك لأن الفرنسيين يحاولون تدمير القري التي يسكنها اعوان الحاج عمر.
وفي الشهور الاولي من عام 1857 بدأ الحاج عمر هجومه علي قلعة مادينا واحتل أحدي المناطق في كاسو وتدعي تومرو(Tomoro ) دون قتال واقترب من النهر في 14 ابريل هاجم سابوسيري Sabourire عاصمة مقاطعة الفرنسيين لوجو Logo واتخذها مقرا لعملياته العسكرية ضد الفرنسيين وفي العشرين من ابريل وصل جيش المسلمين إلي منطقة مادينا حيث بدأ الحصار وكان الجيش يسير في ثلاثة طوابير بلغ عددها 15000 مقاتل وكانت حامية المدينة تضم 64 رجلا بقيادة بول هول Paul Holle الذي استطاع ارسال احد رجاله الي باكل ليخبر القيادة الفرنسية عن الوضع في مادينا وفعلا صدرت الأوامر لإحدي السفن الفرنسية بالتوجه إلي مكان العمليات العسكرية في مادينا لكن تحطمت هذه السفينة علي احدي الصخور ومنع الحاج عمر رجالها من الوصول غلي القلعة المحاصرة وظلوا في حطام السفينة
وفي أوائل يونيه قرر فيدهرب أن يقود بنفسه حملة لانقاذ حامية مادينا ووصل بقواته الي حطام السفينة المحاصرة لكن جنودها كانوا ماتوا من الحمي وفي الوقت نفسه كان مصير بول هول وحامية مادينا يتوقف علي حصول حملة الانقاذ ووصل فيدهرب فعلا الي المنطقة في 18 يوليو أي بعد حوالي ثلاثة أشهر من بدء الحصار فوجد عددا من سكان المدينة قد ماتوا جوعا بسبب رفض بول هول الاستسلام لقوات الحاج عمر ونجح فيدهرب في انقاذ مادينا ذلك النجاح الذي كان امتحانا لقوات الحاج عمر حيث توقف نشاطه في المنطقة لمد عامين بل تحرك من سابوسيري ولم يعد لهذه الاماكن إلا في عام 1859 عندما هاجم المركز الفرنسي في ماتلم Matam الذي كان ايضا تحت قيادة بول هول الذي اصاب قوات الحاج بخسارة فادحة حيث نقص عدد الجيش إلي النصف اي من 15000 جندي إلي 7000 جندي .
بعد هذه النكسة التي حلت بقوات الموحدين انسحب الحاج عمر إلي جيومو Guemou التي تبعد حوالي اربعين كيلومترا عن باكل وبني حصنا هناك وبدأ يعرقل تجارة الفرنسيين علي طول نهر السنغال ولهذا قرر فيدهرب تدمير حصن جيومو وعهد بهذه المهمة إلي بعثة استكشافية بقيادة الضابط فارونFaron وفي 25 اكتوبر هاجم فارون الحصن واستولي عليه بعد أن اصيب بعدة جروح لكن الحاج عمر كان قد انسحب منه قبل وصول البعثة الفرنسية وقتل ابن اخي الحاج عمر ودمر الحصن تماما ..
شعر الحاج عمر أن النضال ضد الفرنسيين لن يتوقف وأن طمع الفرنسيين لا حدود له وأن محاولات عقد الصلح معه ماهي إلا مرحلة مؤقتة في خطط الفرنسيين لابتلاع ممتلكاته وضمها للسيطرة الفرنسية ولذا فإنه قرر ترك هذه المنطقة والاتجاه إلي منطقة النيجر علي أمل التحالف مع زعماء المسلمين هناك في محاولة لتوحيد صفوف المجاهدين ضد عدو اوربي يطمع في السيطرة علي بلادهم كانت هذه هي استراتيجية الحاج عمر في مرحلة سدت فيها كل السبل أمام ايقاف التوسع الفرنسي وهي استراتيجية تدل علي بصيرة قوية وعقلية عسكرية تواجه هذه التحديات الأوربية ، لكن أفكار الحاج عمر لم تجد من يفهمها في المناطق الجديدة التي احست انه جاء لغزوها والقضاء عليها فتحالفت ضده وتأمرت عليه في وقت هو في أشد الحاجة إلي مؤازرتها والوقوف معه ضد العدو المشترك ولهذا ضاعت جهود هذا المناضل الإسلامي في صراعات جانبية مع هؤلاء الزعماء المسلمين واضطر إلي الدخول في حروب ضدهم.
وهكذا استشهد هذا المناضل الإسلامي وهو يناضل من أجل بناء دولته الإسلامية عن عمر يناهز السبعين عاما حاول خلالها مقاومة التوسع الفرنسي بكل ما أوتي من قوة وترك لابنائه مسئولية هذا العبء الكبير.
كان جهاد الحاج عمر وابنائه مثالا من الشجاعة والإقدام وكان الإصرار علي المحافظة علي أمبراطورية إسلامية ناشئة في فترة كان التكالب الاوربي علي القارة قد اتخذ شكلا عسكريا وجعل الحاج عمر يخوض المعارك في جبهتين : احداهما داخلية مفككة ومتصارعة والاخري خارجية منظمة وعلي اهبة الاستعداد لخوض المعارك للاستيلاء علي أراضي السملمين لذا كان الجهاد صعبا والمقاومة عنيفة .
كان علي الحاج عمر أن يعمل بشكل مستمر علي استتباب الجبهة الداخلية وان يواصل الجهاد للقضاء علي الوثنيين وفي الوقت نفسه مقاومة أطماع الفرنسيين ومن هنا طال أمد النضال واستمر جهاد الحاج عمر وابنه احمدو مدة قاربت نصف قرن من الزمان ارهق فيها المسلمون الفرنسيين الذين اضطروا الي تغيير القيادة أكثر من مرة وتحملت الميزانية الفرنسية نفقات كثيرة وتكبت القوات الفرنسية اعدادا كبيرة من القتلي والجرحي لكن رغم كل هذا فلقد فعل التسليح الأوربي دوره في هذه اللقاءات وحسم الموقف لصالح الفرنسيين الي حين يستعد المسلمون لجولة جديدة من النضال خصوصا وان مباديء العقيدة قد ترسخت في القلوب ولم تستطع قوي البغي والقهر والعدوان ان تنال منها وهذه من أعظم ثمار جهاد الحاج عمر التكروري الذي استشهد في المعارك العسكرية وهو يدافع عن دين الإسلام وحضارته .
وإذا كان الجهاد في سبيل الله قد واجه المسيحيين في غرب إفريقيا وانتهي اللقاء لصالح قوي المسيحيين ألا أن الطريقة التجانية ظلت كامنة في النفوس عالقة في القلوب بل ازداد المسلمون تمسكا بها وحافظوا علي تقاليدها في وجه التيارات المسيحية والوثنية وظلت هذه الروح الثورية الدينية تمارس نشاطها وتحافظ علي العقيدة الإسلامية حتي هبت كل شعوب المنطقة في وجه الاستعمار الفرنسي واجبرته علي أن يحمل عصاه ويرحل عن أرض القارة الإفريقية التي عادت للإسلام والمسلمين .
كان الحاج عمر مغامرا من نوع جديد ورجلا صلبا لا يلين لديه امال عراض لبناء امبراطورية تتخذ من الشريعة الإسلامية أساسا لها ومنهاجا وما كان يدري ان الطريق مليء بالاشواك وان المنطقة التي اختارها لبناء دولته تكتظ بالمشكلات الداخلية والصراع الأوربي عليها فناضل وكافح وفتح جبهة هنا وجبهة هناك واستخدم اسلوبي الدبلوماسية والحرب كان يهادن في جبهة ليتفرغ للأخري وساعده كل هذا علي نشر الطريقة التجانية التي تعمقت في نفوس الناس وصارت تضارع الطرق الصوفية الأخري ولو فهم المسلمون مايرمي إليه هذا الشيخ المجاهد والجهود التي يبذلها لبناء دولة إسلامية ولو وقفوا بجانبه في صراع الأوروبيين لتغير الوضع تماما لكن للاسف الشديد عاني الحاج عمر من المسلمين والوثنيين الذين تكاتفوا ضده واعتبروه غازيا وعقدوا حلفا ضده وهو في أمس الحاجة لجهودهم وحاصروه في حمد الله وهو يناضل من أجل الوقوف في وجه الفرنسيين وسقط هذا الزعيم شهيدا برصاص المسلمين الذي تتبعوه وحاصروه حتي قضوا علي جهوده واستشهد الحاج عمر وهو في روعة انتصاراته وفي قمة صراعه مع الفرنسيين الذين عانوا كثيرا علي يديه .
ورغم سقوط امبراطورية التوكولور إلا أن اتباع الحاج عمر قد اكتسبوا شهرة القيادة الإسلامية في السودان الغربي وانتشرت التجانية بعد ذلك وقاومت التبشير المسيحي الذي اجتاح امبراطورية التوكلور في أعقاب السيطرة الأوربية ورغم سقوط الامبراطورية سياسيا الا أنها استمرت تمارس حياتها الدينية وحافظت علي تراث الإسلام وحضارته امام موجات الغزو والتوسع الاوربي والتبشير المسيحي.
إن عداوة اهل الطريقة مع سائر المستعمرين معروفة عند المنصفين ولو ذهبنا نقص عليك عداوتهم مع الاستعمار الانجليزي في مصر والسودان وفلسطين لطال بنا الكلام.
وبقي تنبيه يجب أن نلفت النظر إليه أن الصوفية في عداوتهم مع المستعمر لايعادونه لأنهم صوفية وإنما لأنهم مسلمون يغارون علي دينهم ويعلمون ان الإسلام يعلو ولا يعلي عليه وأنه ليس للمسلم أن بذل نفسه كما ورد في الحديث الشريف فمن هذه القاعدة انطلقوا وعن هذا المنظور توجهوا فأهل الإسلام كلهم- صوفية وغيرهم – يد واحدة علي جميع المستعمرين بجميع أنواعهم .
الجهاد في سبيل الله : الطريقة القادرية أنموذجا
يقول الدكتور عبدا لله عبدا لرازق إبراهيم في كتابه ( المسلمون والاستعمار الأوربي لإفريقيا ):
من البديهي ونحن نعالج المقاومة الإسلامية للاستعمار الأوروبي للقارة الإفريقية أن نحدد بشكل سريع الملامح الرئيسية لذلك التكالب الاستعماري علي القارة في اواخر القرن التاسع عشر تلك الفترة التي توافقت مع جهاد زعماء المسلمين في القارة وخصوصا في إفريقية جنوب الصحراء ومحاولات زعماء حركات الجهاد أن ينشروا الدين الإسلامي الصحيح بعد قيام حركات الإصلاح والتجديد بزعامة الشيخ عثمان بن فودي في شمال نيجيريا وانتشار حركته علي نطاق واسع وتأثر العلماء المسلمين في غرب القارة بتلك الحركة الإصلاحية التي وجدت صداها في إمبراطورية الحاج عمر الفوتي.
__________________________
* نقلًا عن موقع “شبكة العز الثقافية”- مملكة النقشبندي والحقيقة المحمدية العرفانية والعلوم الصوفية والحقائق الروحانية.