الزاوية الفاضليَّة في إفريقيا الغربيَّة- التأسيس والامتداد
د. محمد المختار جي
(أستاذ وباحث أكاديمي رئيس الجامعة الإسلامية بمنيسوتا الأميركية فرع السنغال)
تعتبر الطريقة القادرية من أقدم الطرق الصوفية في إفريقيا جنوبا الصحراء وبصفة خاصة في غرب إفريقيا و قد دخلها عن طريق بعض الشناقطة المهاجرين الذين استوردوها من شمال إفريقيا وقد تفرعت القادرية في إفريقيا إلى فرعين او شعبتين كبيرتين أساسيتين هما:
- الزاوية الكنتية التي انتشرت بصفة كبيرة وواسعة في غرب إفريقيا وعاصمتها الروحية مدينة (انجاسان).
- الزاوية الفاضلية والتي انتشرت و توسعت أيضا في منطقة غرب إفريقيا وعاصمتها مدينة (نمجاط).
ورغم اختلاف الزاويتين فإنهما تتصلان في سند أورادهما كلها عند الشيخ عبد الكريم المغيلي التلمساني القادري (ت 940_ 1533 م).
الشعبة الفاضلية وتنسب إلى الشيخ الكبير و العالم الجليل الشيخ محمد فاضل بن الشيخ محمد الأمين “مامين”1211 هج 1797 م ت 1226 هج 1867 م بمنطقة أدبادة 60 كلم جنوب مدينة النعمة. [1]
وفي ترجمته في كتاب حياة موريتانيا المختار بن حامد يقول (فهو العالم الصالح الصوفي العربي الشهير افرده بالتأليف رجال منهم الطالب بوبكر المحجوبي الولاتي.).[2] ويعتبر الشيخ محمد الفاضل من أكابر العلماء والفقهاء في عصره ، وللشيخ محمد الفاضل اليد الطولى في العلوم كلها فقها ، وحديثا ،و قرآنا ، ونحوا ، ولغة ، و منطقا، وبيانا، و هندسة ، وغير ذلك … [3]
ويقول الدكتور سيد أحمد ولد الأمير في تحقيقه كتاب (تاريخ أهل الشيخ ماء العينين) هو الشيخ الفاضل العالم العامل أبو المشايخ الأكرمين، كان قارئا بالسبع فقيها نشر السنة و أحياها ، واخمد به البدع ….و له من الأبناء ثمانية و أربعون كانوا نعم الخلف لخير السلف ، وقد ظل الشيخ محمد الفاضل خلال عمره فارا لدينه من الفتن مخصصا سائر أوقاته للتدريس أو العبادة أو التفكر ، وقد تخرج على يديه طلاب و شيوخ كثيرون[4] .
وقد نشر أتباع الشيخ محمد فاضل و مريدوه تعاليمه و طريقته القادرية الفاضلية في العديد من مناطق إفريقيا الشمالية و الغربية وفي الشرق وفي العالم أجمع،.
الفاضلية في إفريقيا الغربية:
لقد سلك الشيخ محمد فاضل منهجا حكيما و سياسة رشيدة لنشر العلم و الطريقة القادرية فوزع أبناءه في أنحاء البلاد فكان لكل منهم منطقة سيادة و نفوذ خاصة به تنشر فيها حضراته و زواياه فذهب الشيخ ماء العيتين إلى الصحراء بينما توجه الشيخ سعد بوه إلى الترارزة و كان لهذا التوريع أهداف و استراتيجيات علمية وفكرية وروحية، وقد سئل الشيخ محمد فاضل عن الحكمة في توجيه الشيخ ماء العيتين إلى الشمال الأقل علما وتوجيه الشيخ سعد بوه للقبلة المشهورة بالعلم فقال ليعلم الأول أهل الشمال ويتعلم الثاني من أهل القبلة . [5] وهكذا توجه الشيخ سعد بوه إلى منطقة الجنوب الغربي الموريتاني (القبلة)بإذن من أبيه محمد فاضل لنشر الورد القادري الفاصلي ثم ينطلق من هناك إلى الغرب الإفريقي لنشر الإسلام و توسيع دائرة الطريقة القادرية الفاضلية التي انتشرت في إفريقيا وخاصة غربها بشكل كبير بفضله وبفضل أهله و مقدميه ، و كان الشيخ سعد بوه من أكبر و أعظم شيوخ منطقة غرب إفريقيا المسلمة من حيث النفوذ و التأثير في تاريخها الثقافي و الديني و أصبح قطبا من أقطاب التصوف الإسلامي في المنطقة له آلاف وآلاف من الأتباع و المريدين من أفريقيا يجلونه ويقدسونه و يزورون ضريحته سنويا في مدينة نمجاط لتجديد الولاء والمحبة و التبرك به .
وقد دخلت الفاضلية إفريقيا و توسعت دائرتها أساسا وبشكل كبير بفضل قناتين أساسيتين و مهمتين وهما:
- قناة السعدية بقيادة. الشيخ سعد أبوه.
- قناة المحفوظية بقيادة الشيخ محفوظ بن طالب أخبار.
الشيخ سعدبوه ودوره الثقافي و الروحي:
يعتبر الشيخ سعدبوه من الزعامات الدينية و الروحية التي تركت بصمات كبيرة في أفريقيا جنوب الصحراء حيث تقيد بورده الآلاف الآلاف من الأفارقة المريدين .
وقد ولد الشيخ سعدبوه عام 1265 م 1336 هج. وتوفي عام 1848 _1917 م في نمجاط . وهو الابن الثلاثون لمحمد فاضل حسب بول مارتي [6] وقد نشأ تحت كنف والده محمد فاضل و أخذ عنه العلوم الشرعية و اللغوية وعلوم الأسرار وكان فطنا نجيبا منذ صغره فقد أذن له والده بالرحيل إلى نحو غرب البلاد لنشر العلم و الطريقة القادرية ، وكان الشيخ سعدبوه عالما أدبيا فقيها كتب العديد من المؤلفات و المدونات في مجال الفقه و السيرة والتصوف و مدح النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد اهتم الشيخ بالعلم فأسس محاضر علمية للتدريس و نشر الورد القادري و قد قام الشيخ بعدة رحلات إلى السنغال لنشر طريقته القادرية هناك حيث أسس زوايا و كسب أتباعا و مريدين كثيرين أخذوا منه الورد القادري و كان الشيخ يعطي أيضا الورد التجاني و أحيانا الورد الشاذلي وربما هذا ما جعله ينجح بسرعة في مهمته ويصل نفوذه و تأثيره إلى العديد من دول إفريقيا الغربية مثل غامببا و مالي و غينيا.
ويرى بول مارتي أن من أهم العوامل التي ساهمت بقوة في نجاح الشيخ و نفوذه في إفريقيا :
- نسبه إلى الشريفية وأنه حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يدعى ب”الشريف”.
- شهرته بالكرامات فكانت تسند إليه عدة كرامات و أمور خارقة للعادة التي قام بها الشيخ كما كان يعالج باطنيا الأمراض المستعصية.
- مؤاخاته للطرق الصوفية الأخرى و إعطاؤه الأوراد الأخرى مثل الورد التجاني و الشاذلي.
- تسامحه وعلاقاته الطيبة للاستعمار الفرنسي وكان محل ثقة عندهم[7] و قد خلق الشيخ سعدبوه علاقات حسنة مع المستعمرين و كان يرفض مبدأ محاربتهم والجهاد ضدهم وفي هذا الصدد يرسل الشيخ سعد بوه خطابا إلى أخيه الشيخ ماء العينين في الصحراء عندما أعلن هذا الأخير الجهاد ضد المستعمرين الفرنسيين عام 1908 ويتصحه فيه بالمصالحة والكف عن المواجهة العسكرية التي ليست في صالح الإسلام كما يعتقد ، يقول الشيخ :”لقد أطلعني العليم الخبير على أن مستقبل المنطقة بيد الفرنسيين رضينا أم لم نرض، قال الله تعالى (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها و توكل على الله إنه هو السميع العليم الأنفال 61 .) [8]
كل هذه العوامل إضافة إلى شخصيته العظيمة المتفتحة جعلت الشيخ سعدبوه يكسب العديد من الأتباع و المريدين في أفريقيا وينشر الطريقة القادرية الفاضلية في هذه البلاد و كان يجد الآلاف من المريدين و الأتباع في مناطق فوتا و جولوف و كايور و باوول وكاسمانص و غامبيا و غينيا .
لعب الشيخ سعدبوه دورا كبيرا في نشر العلم والثقافة والمعرفة و الطريقة القادرية فبنى زوايا ومساجد و محاضر كما كون مريدين و مقدمين في مناطق مختلفة في إفريقيا يواصلون مشواره في نشر مذهبه و كانت للفاضلية تأثير كبير في بعض دول إفريقيا عبر قناته “السعدية” التي مقرها مدينة نمجاط الموريتانية للعاصمة الروحية لهذه الشعبة حيث يفد إليها الآلاف من الأتباع و المريدين في نهاية رمضان في حيث يقومون بزيارات تجديد الولاء و التبرك بضريح الشيخ سعد بوه وسط أجواء روحانية صوفية[9] .
الشيخ محفوظ بن طالب أخيار ودوره في نشر الفاضلية:
هو الشيخ بن أخي الشيخ سعد أبيه وهو الابن البكر للشيخ طالب خيار الابن التاسع لمحمد فاضل مامين المؤسس وزعيم الشعبة الفاضلية القادرية ولد الشيخ محفوظ حوالي 1870م وتوفي عام 1917 م وقد تعلم الشيخ محفوظ في البداية على يدي عمه الشيخ سعد أبيه بترازة ثم نوجه إلى السمارة لمواصلة دراساته عند الشيخ ماء العينين وفد بقي برهة طويلة في الساقية الحمراء لتكوين نفسه علميا وروحيا ،ثم رجع إلى موريتانيا فزار تيشيت وولاته و تاغنت وادرار وكان يقيم أحيانا في شنقيط.
وقد عرف الشيخ محفوظ برحلاته العديدة فزار العديد من الدول الإفريقية و خلق علاقات طيبة مع الاستعمار في السنغال و غامبيا، ويرى بول مارتي أنه بسبب كياسته و سياساته الحكيمة وتفتحه نال حظوة المستعمرين و تقديرهم له ، وكانت له أيضا علاقات مع بعض الملوك الأفارقة وبعض الزعماء مثل الزعيم ساموري توري و موسى مولو و قد زارهما و نال منهما هدايا كثيرة [10] وبعد جولات الشيخ محفوظ في الكثير من مناطق إفريقيا وفي الصحراء استقر به المكان في منطقة كازماس جنوب السنغال حيث أسس قرية سماها ب دار السلام و بدأ ينشر العلم و الطريقة القادرية الفاضلية في قبائل الجولا و الماندبنغ وقد استطاع بسياسته الحكيمة أن يقنع شعوب هذه المنطقة الوثنية و يدخل الكثير منهم في دائرة الإسلام وفي دائرة الطريقة القادرية الفاضلية و يعطيهم الورد الفاصلي . ويقول الشيخ شمس الدين بن الشيخ محفوظ :أن أباه واجه في بداية الأمر بمنطقة كازماس الوثنية مقاومة كبيرة و عداء سافرا من طرف سكان البلاد لكن أخيرا تغلب عليهم بعد تعاونه مع السلطات الاستعمارية[11].
لقد تمكن الشيخ محفوظ من تأسيس قرية دار السلام في منطقة كازماس الوثنية الواقعة جنوب البلاد السنغالية وبدأ ينشر فيها الإسلام و الطريقة القادرية الفاصلية فبنى هناك مساجد وزوايا كما كسب أتباعا و مريدين يعطيهم الورد القادري الفاضلي كما عين مقدمين و مبعوثبن في مناطق مختلفة يخدمون تحت امرته و ينشرون الورد الفاصلي ، استطاع الشيخ محفوظ بشخصيته القوبة و بحكمته وبعزيمته الفولاذية أن يلعب دورا بارزا و حاسما في فرض شخصيته في مناطق كازماس الوثنية وفي غامبيا وغنيبا بيساوو و يشكل نجمعات دينية روحية قوبة تحت الزاوية الفاضلية .
إن قناة المحفوظية بقيادة الشيخ محفوظ و أهله و مريديه و مقدميه و مبعوثيه استطاعت أن تلعب دورا كبيرا و بارزا في توسيع الطريقة الفاضلية في إفريقيا جنوب الصحراء.
الخاتمة:
تعتبر الطريقة القادرية من أقدم و أهم الطرق الصوفية في إفريقيا جنوب الصحراء و قد قامت بدور هام في نشر الإسلام و الثقافة العربية الإسلامية، وقد تفرع عن الطريقة القادرية فروع وزوايا من أهمها الزاوية الفاضلية و مؤسسها محمد فاضل بن مامين ، وقد انتشرت الشعبة الفاضلية في إفريقيا جنوب الصحراء و خاصة في غر بها بفضل قناتين مهمتين هما :
قناة السعدية بقيادة الشيح سعد أبيه ، و قناة المحفوظية بقيادة الشيخ محفوظ بن طالب أخبار ، و قد توسعت الفاضلية بحكم عوامل ساهمت في ذلك من بينها :
- شخصية الشيخين الصوفيين الشيخ سعد بوه و الشيخ محفوظ فكانت لهما شخصية قوية وذات كاريزما روحية متميزة لها من الصفات ما يمكنها من أن تنال تعاليمهما القبول و الرضى و الانتشار.
- تفتحهما تجاه الطرق الصوفية الأخرى ومؤاخاتهما لها.
- دعوتهما إلى روح المحبة و التسامح و الإخاء و احترام الآخرين.
- علاقاتهما الطيبة و المتميزة مع الاستعمار و القبول بالواقع.
- نسبتهما إلى الشريفية و أنهما حفيدان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يعطيهما شرعية لاتباع دعوتهما و القبول لها .
المراجع:
1_د. محمد الأمين أن : من أعلام موريتانيا الشيخ سعد أبيه ودوره في منطقة نهر السنعال ,الإنترنت Http , drive ,google. Com /file
2_بحث حول الشيخ محمد فاضل بن مامين، دون ذكر الكاتب ، الإنترنت
3_الخليل النحوي *بلاد شنقيط، المنارة و الرباط ، المنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم، تونس ط 1 ص 122.
4_ احمد محمد جي : دراسات حول الإسلام في السنغال ترجمة لكتاب بول مارتي Paul Marty Etudes sur l’islam au Sénégal (مخطوط) مكتبة خاصة ، ص :27
5_عبد الكريم سار : التاريخ السياسي للإسلام في السنغال, دكار، السنغال ، ط1 ص: 98
6_عبد القادر سيلا : المسلمون في السنغال دار الأمة، قطر ، 1986 ، ط1 ، 134
7_الخديم امباكي : التصوف و الطرق الصوفية في السنغال، (مرقون ) ص :32
دكتور محمد المختار جي أستاذ و باحث أكاديمي رئيس الجامعة الإسلامية بمنيسوتا الولايات المتحدة الأمريكية فرع السنغال |
[1] ـ د. محمد الأمين أن : من أعلام موريتانيا الشيخ سعد أبيه ودوره في منطقة نهر السنعال ,الإنترنت Http , drive ,google. Com /file
[2] ـ بحث حول الشيخ محمد فاضل بن مامين، دون ذكر الكاتب ، الإنترنت.
[3] ـ بحث حول الشيخ محمد فاضل بن مامين، دون ذكر الكاتب ، الإنترنت.
[4] ـ بحث حول الشيخ محمد فاضل بن مامين، دون ذكر الكاتب،الإنترنت.
[5] ـ الخليل النحوي *بلاد شنقيط، المنارة و الرباط ، المنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم، تونس ط 1 ص 122.
[6] ـ احمد محمد جي : دراسات حول الإسلام في السنغال ترجمة لكتاب بول مارتي Paul Marty Etudes sur l’islam au Senegal (مخطوط) مكتبة خاصة ، ص :27
[7] ـ ن ،م ص 33.
[8] ـ عبد الكريم سار : التاريخ السياسي للإسلام في السنغال, دكار، السنغال ، ط1 ص: 98
[9] ـ عبد القادر سيلا : المسلمون في السنغال دار الأمة، قطر ، 1986 ، ط1 ، 134 .
[10] ـ الخديم امباكي : التصوف و الطرق الصوفية في السنغال، (مرقون ) ص :32.
[11] ـ ن. م ص 33.
____________________
*نقلًا عن “موقع الشيخ ماء العينين”.